أما بعد أيها الناس تأهبوا للانتقال من دار الرحيل والزوال، وتنافسوا في اكتساب ما يوصل إلى دار المقيل والظلال، وارغبوا في صالح الأعمال، واعلموا أنكم عما قليل راحلون، وإلى الله صائرون، ولا يغني هنالك عمل إلا صالح قدمتموه، أو حسن ثواب أحرزتموه، فإنكم تقدمون على ما قدمتم، وتجازون على ما أسفلتم، فلا تصدنكم زخارف دنيا دنية عن مراتب جنات علية، واكتسبوا مراضي الرحمن فإنها أربح المكاسب، واجتنبوا موارد العصيان، فإنها وخيمة العواقب، وحاذروا مواعيد الآمال فإنها آمال كواذب.
ألا وإن الدنيا قد خطمتكم بخطامها وأنتم عليها مقبلون، وصدقتكم حوادث أيامها وأنتم لها مكذبون، كم تحذرون من الغفلة فلا تحذرون، وتذكرون بالآخرة ولا تذكرون، ويوضح لكم الصواب ولا تبصرون، ويفصح لكم في الخطاب ولكن لا تشعرون. إلى كم للدنيا تعدون؟ وأنتم عما قليل في الموتى تعدون ولا تتأهبون للآخرة ولا تستعدون {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ}[الطور: ١٥] . فرحم الله امرءًا تأهب للقدوم على الله في يوم يفوز فيه الأبرار، ويسعدون ويشقى فيه الفجار ويبعدون، ذلك يوم يخسر فيه المبطلون، وينجو فيه الأبرار الصادقون، ويفرح فيه المتقون، ويربح فيه المخلصون، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولا هم يستعتبون.
جعلني الله وإياكم ممن أخلص لله في الأعمال، وأسعدني وإياكم في الدارين بحسن النوال. إن أحسن الكلام كلام الملك العلام، والله يقول وقوله الحق المبين:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأعراف: ٢٠٤] . وقال عز من قائل عليك:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}[النحل: ٩٨] . أعوذ الله من الشيطان الرجيم