للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكنَّ الشرَّ إنما يكون في المخلوقاتِ المفعولات، فإبليسُ وجنودُه شرٌّ، وهكذا الأشياءُ الضارَّةُ؛ كالحيَّاتِ والعقارب فيها شرٌّ، لكنْ خَلْقُ الله لهذه المخلوقاتِ الضارةِ والشريرةِ لحكمةٍ، إذن: فخلقُه تعالى ومشيئتُه لها عدلٌ وحكمةٌ، وهو تعالى محمودٌ على ذلك، فله الحكمةُ البالغة، علِمنا ذلك أو لم نعلمه، لكنَّنا نعلمُ علمًا إجماليًّا ونُؤمن إيمانًا مُجملًا بأنَّه تعالى حكيمٌ، لا يخلقُ شيئًا عبثًا، ولا يخلقُ شيئًا إلا لحكمةٍ هو أعلمُ بها.

وقوله: (حُلوِه ومُرِّه): كأنَّ هذا التعبيرَ من تنويع الكلام؛ لأنَّ الأمورَ المقدَّرةَ منها ما هو حلوٌ في حسِّ وذوقِ الناس؛ كالنِّعم والأشياء المستطابة. والمرُّ: الأشياءُ الكريهةُ؛ كالمصائب؛ لأنَّ لها مرارة في النفوس.

ويُفسَّرُ الخيرُ باللذات وأسبابها، والشرُّ بالآلام وأسبابها، لكن هناك لذَّاتٌ في نفسها لكنها أسباب لآلامٍ طويلةٍ، فتكون في ذاتها خيرًا، لكنها شرٌّ باعتبار ما تُفضي إليه، فالمعاصي شرٌّ وإن استلذَّتها النفوسُ؛ لأنها تفضي إلى أعظم الآلام. والطاعاتُ خيرٌ في ذاتها ومآلها، وإن اشتملت على بعض المشاقِّ والكُلَف، لكنها خير؛ لأنَّها نفسها مصالحُ ومنافعُ عظيمة، وفي الصحيح عن النبي : «حُفَّت الجنةُ بالمكاره، وحُفَّت النارُ بالشهوات» (١)، واللهُ تعالى اقتضت حكمته تنويعَ الخلْقِ، وخلْقَ الأضداد في هذا الوجود، فخلَقَ الخيرَ والشرَّ، والنافعَ والضارَّ، والحسنَ والقبيحَ في الذوات والصفات والأفعال، فخلقَ النورَ والظلمات، وخلقَ


(١) أخرجه مسلم (٢٨٢٢) من حديث أنس بن مالك .

<<  <   >  >>