نَاظِرَة (٢٣)﴾ [القيامة]، فهذه الآيةُ هي أدلُّ دليلٍ من القرآن على إثبات رؤيةِ المؤمنين لله تعالى؛ لأنها لا تحتمل إلَّا نظر العين، وأمَّا الكفارُ فإنهم يُحجبون عنه، قال تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُون (١٥)﴾ [المطففين]. إذن: المؤمنون لا يُحجبون بل يرونه وينظرون إليه، قال تعالى: ﴿عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُون (٢٣)﴾ [المطففين]، وفي الحديث الصحيح:«إنكم سترون ربَّكم كما ترون هذا القمرَ لا تُضامون في رؤيته»(١)، وقد تضمَّن الحديثُ: تشبيهَ رؤية المؤمنين لربهم برؤية الشمس والقمر، فالمشبَّه والمشبَّه به هو الرؤية، فشبَّهَ الرؤية بالرؤية، ولم يُشبِّه المرئي بالمرئي، فلا يُقال: إنَّ اللهَ تعالى كالشمس والقمر، فقوله ﷺ:«إنكم سترون ربَّكم كما ترون»، يعني: ترون ربَّكم رؤيةً؛ كرؤيتكم للشمس والقمر، ووجهُ الشَّبه بين الرؤيتين:
أوَّلًا: أنَّها رؤية بصرية لا عِلمية، ونفاةُ الرؤيةِ يُفسِّرون هذه الرؤيةَ بالرؤية العلمية؛ أي: يزداد علمهم بالله يوم القيامة، لا أنَّهم يرونه بأبصارهم.
ثانيًا: أنَّهم يرونه في العلو كما يُرى القمران في العلو.
ثالثًا: أنَّها رؤية من غير إحاطةٍ، فالمؤمنون يرون ربهم يومَ القيامة من غير إحاطةٍ، كما أنَّ الناسَ في الدنيا يرون الشمسَ والقمرَ من غير إحاطةٍ.
(١) أخرجه البخاري (٥٥٤)، ومسلم (٦٣٣) من حديث جرير بن عبد الله ﵁، وأحاديث الرؤية متواترة، رواها سبعةٌ وعشرون صحابيًا ساقها ابن القيم وغيره، ينظر: حادي الأرواح (٢/ ٦٢٥ - ٦٨٥)، ونظم المتناثر (ص ٢٣٨، رقم ٣٠٧).