للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألة الرابعة: قوله: (وأنَّ الصراطَ حقٌّ، يجوزه العبادُ بِقدر أعمالِهم، فناجون مُتفاوتون في سرعة النجاةِ من نار جهنم، وقومٌ أوبقتهم فيها أعمالُهم):

وكذلك ممَّا يجب الإيمانُ به - وهو داخلٌ في الإيمانِ باليوم الآخر -: الصراطُ، وهو جسرٌ منصوبٌ على متنِ جهنم يمرُّ عليه الناس، وظاهرُ الأدلةِ أنَّ الذين يمرُّون عليه هم المُنتسبون للإيمان، أمَّا الكفارُ وعُبَّادُ الأصنامِ والأوثانِ والصُلبان؛ فهؤلاء يُساقون إلى النارِ ابتداءً، فيُحشر الناسُ فيقال لهم: «لِيَتَّبعْ كلُّ أُمَّةٍ ما كانت تعبدُ»، فَمَنْ يَعْبُدُ الشَّمْسَ يَتْبَعُ الشَّمْسَ، وَمَنْ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ يَتْبَعُ الطَّوَاغِيتَ وهكذا، كما جاء في حديثِ أبي سعيد الخدري في الصحيحين وغيرهما (١).

فالذين يعبرون الصِّراطَ هم مُتفاوتون في العبورِ سرعةً وبطءًا؛ منهم من يمرُّ سريعًا كالبرقِ، ومنهم من يمرُّ كالريحِ، وكَأَجَاوِدِ الخيل، والرِّكَاب، ومنهم مَنْ يسعى سعيًا؛ أي: يركضُ، ومنهم مَنْ يمشي مشيًا، ومنهم مَنْ يزحفُ، وفي الحديثِ: «فناجٍ مُسلَّمٍ، وناجٍ مخدوشٍ، ومكدوسٍ في نار جهنم» (٢).

فهذا الصِّراطُ يعبرُ عليه الناسُ بحسبِ أعمالِهم، فتجري بهم أعمالهم، كما كانوا في الدنيا: منهم المُسارعُ في الخيراتِ ومنهم مَنْ دون ذلك، ومنهم البطيءُ في فعلِ الخير، فكأنَّ هذا واللهُ أعلم ﴿جَزَاء وِفَاقًا (٢٦)[النبأ]، فمَن كان مُسارعًا في الخيراتِ في الدنيا؛ أسرعَ هناك


(١) أخرجه البخاري (٤٥٨١)، ومسلم (١٨٣).
(٢) أخرجه البخاري (٧٤٣٩) - واللفظ له -، ومسلم (١٨٣) من حديث أبي سعيد الخدري .

<<  <   >  >>