للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأحاديثُ المُتضمِّنةُ لوجوبِ السمعِ والطاعة لولاةِ الأمرِ، والنهيِ عن الخروجِ عليهم مُستفيضةٌ عن النبي (١)، فلهذا كان ممَّا خالفَ فيه أهلُ السنَّةِ أهلَ البدعِ: هو ما يعتقدُونه ويعملون به مع ولاةِ الأمرِ.

فإنَّ أهلَ البدعِ - كالخوارجِ والمُعتزلة - من أصولِهم: الخروجُ على الأئمة، بل أحدُ أصولِ دينِ المعتزلة الخمسة: الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المُنكرِ، ويُدخلون في ذلك الخروجَ على الولاةِ الظَّلمةِ باسمِ إنكارِ المُنكرِ (٢)، وإنما وجبَ السمعُ والطاعةُ وحرُمَ الخروجُ على ولاةِ الأمور وإن جارُوا وإن ظلموا؛ لأنَّ الخروجَ عليهم ينشأُ ويحصلُ بسببه من الفسادِ أعظمُ ممَّا أُرِيدَ تغييرُه.

ومن قواعدِ الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المُنكرِ: احتمالُ أدنى المفسدَتَين لدفعِ أعلاهما، وتفويتُ أدنى المصلحتين لتحصيلِ أعلاهما، فإذا كان إنكارُ المُنكرِ يترتب عليه مُنكرٌ أعظمَ؛ أصبح الإنكارُ مُنكَرًا، ولهذا قال ابن القيم في «إعلام الموقعين»: «إنكارُ المنكرِ أربعُ درجات:

الأولى: أن يزولَ ويخلفه ضدُّه.

الثانية: أن يقلَّ وإن لم يُزَل بجملته.

الثالثة: أن يخلفَه ما هو مثلُه.

الرابعة: أن يخلفَه ما هو شرٌّ منه.


(١) ينظر: السنة لابن أبي عاصم (٢/ ٤٩٢ - ٥١٦)، والشريعة للآجري (١/ ٣٧٣ - ٣٨٤)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (٧/ ١٢٩٦ - ١٣٠٢).
(٢) ينظر: شرح الأصول الخمسة (ص ١٤٤)، (ص ٧٤١) وما بعدها، ومقالات الإسلاميين (٢/ ٣٤٨).

<<  <   >  >>