بحيث لا يُفرَّق بينهما لتماثلهما من كل وجه، ومن أسماء الله تعالى المصوِّرُ، قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ﴾ [الحشر: ٢٤].
فالتصويرُ يكون بمشيئة اللهِ وقدرتِه وحكمتِه، وله الحكمةُ في تنويع الصُوَرِ، وفي خلقِ هذا على صورةٍ، وخلقِ الآخرِ على صورةٍ، فهم أولادٌ من أمٍّ وأبٍ، ويخرجون بصورٍ مختلفة، ولله في ذلك حِكَمٌ بالغةٌ.
والتصويرُ ظاهرٌ وباطنٌ، فالظاهرُ هو الصورةُ الظاهرةُ المرئية، والصورةُ الباطنةُ هي التي ينبني عليها اختلافُ الملَكاتِ والعقول، فهذا أيضًا نوعٌ من التصوير الذي تختلفُ فيه أحوالُ الإنسانِ، وهو سبحانه لا يخلقُ أو يصوّرُ بمحض المشيئةِ، بل لحكمةٍ عظيمةٍ، فلا يفعل شيئًا عَبَثًا أو لَعِبًا؛ بل خَلَقَ السماوات والأرض وما فيهنَّ بالحقِّ وللحقِّ.
قوله:(وأَبرزَه إلى رِفقِه، وما يَسَّرَه له مِنْ رِزقه):
هذا طَور ما بعد الولادة، (وأَبرزَه): أي: أخرجَه من بطن أُمّه، والمعنى: أن اللهَ أخرجَ الإنسانَ من بطن أُمّه، وأبرزه لهذه الحياة بعد أن كان في الظلمات الثلاث، والضميرُ في قوله:(مِنْ رِزقه) - يقول بعض الشُّرَّاح -: أنه يعودُ إلى الإنسان. فأبرزه إلى رِفْقِهِ، أي: لينتفع ويُرْزَق بما يسَّرَهُ اللهُ له من أنواع المنافع.
ويُحتمل أنَّ الضمير يعودُ إلى الله، وهو أظهرُ (١)؛ لأنَّ الضمائر في هذه الجُمل تعود إلى الله، أي: أبرزَ الإنسانَ ليتمتَّع برزقِ ربِّه له، ورِزقُ الله لعبده بما يسوقُه إليه من الإحسان ابتداءً، وأولُ الرفقِ ما جعله اللهُ
(١) ينظر: شرح زروق (١/ ١٤)، والفواكه الدواني (١/ ٢٣).