للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتوب على الكفارِ والمشركين، فالنصارى المُثلِّثةُ يقولُ الله فيهم: ﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ﴾ [المائدة: ٧٤]، وقال في أصحاب الأُخدود: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ [البروج: ١٠].

فمغفرةُ الذنوب بالتوبةِ ليست من خصائصِ المؤمنين، بل التوبةُ سببٌ لمغفرة جميعِ الذنوب، فكلُّ مَنْ تابَ تابَ اللهُ عليه، حتى الكافرُ كما تقدَّم، ولكنْ عبارةُ المؤلف تقتضي أنَّ الكبائرَ لا تُغفر إلَّا بالتوبةِ، وفي هذا نظرٌ؛ فقد تُغفَرُ الكبائرُ برجحان الحسناتِ العظيمةِ، وقد تُغفَرُ بالمصائب، أو بالاستغفار والإلحاحِ على الله بطلبِ المغفرة، وغير ذلك من أسباب المغفرة، وذلك راجعٌ إلى مشيئة الله وحكمته (١).

أمَّا الصغائرُ؛ فيقولُ المؤلِّفُ: إنَّها تُغفرُ باجتنابِ الكبائرِ. ودليل هذا قولُه تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا (٣١)[النساء]، وتُغفرُ أيضًا بالأعمالِ الصالحةِ كما في الحديثِ الصحيح: «الصَّلواتُ الخمسُ والجمعةُ إِلى الجمعةِ، ورمضانُ إِلى رمضانَ مُكفِّراتٌ ما بَينهُنَّ، إذا اجتُنبتِ الكبائرُ» (٢)، فتُكفَّرُ الصغائرُ بالأعمالِ الصالحةِ وباجتناب الكبائر، ثم مَنْ ماتَ من أهل التوحيد على بعض الكبائر من غير توبةٍ؛ فهو في مشيئةِ الله، إنْ شاء اللهُ غفرَ له ولم يُعذِّبْه، وهو الحكيمُ العليمُ الغفورُ الرحيمُ، وإنْ شاءَ عذَّبَه بذنبه، ثم يخرجه من النارِ؛ خلافًا للخوارجِ والمُعتزلةِ القائلين بتخليد


(١) ينظر: منهاج السنة (٦/ ٢١٨ - ٢١٩)، والإيمان الأوسط (ص ٣٣٩ - ٣٥٦)، والجواب الكافي (ص ٢٨٩ - ٢٩٠).
(٢) أخرجه مسلم (٢٣٣) من حديث أبي هريرة بلفظ: «اجتنب».

<<  <   >  >>