المسألة الأولى: قوله: (وأن الله ﵎ يجيء يوم القيامة … ) إلى آخره: أي: يجيءُ للفصلِ بين عباده، وجزائِهم على أعمالهم، وذلك بثوابِ المؤمنين المتقين، وبعقابِ الكافرين، ومن شاءَ الله من المُوحِّدين، والمراد من هذا تقريرُ إثباتِ مجيء الرب تعالى يوم القيامة كيف شاء، وقد جاءَ هذا المعنى في ثلاثِ آياتٍ؛ قال تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ﴾ [البقرة: ٢١٠]، وقال تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ﴾ [الأنعام: ١٥٨]، وقال تعالى: ﴿وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)﴾ [الفجر].
فأهلُ السُّنةِ والجماعة يُؤمنون بظاهرِ هذه الآيات، ويقولون: إنَّ الله يجيءُ يوم القيامة كيف شاءَ، كما يقولون: إنه ينزلُ إلى السماءِ الدنيا كيف شاءَ، وأنه استوى على العرشِ كيف شاء لأنه تعالى فعَّال لما يريد.
فالمجيءُ من أفعاله التي يفعلُها بمشيئته، فيُثبتون المجيءَ حقيقةً، أي: يأتي هو نفسه تعالى لكن لا نعلم كُنْهَ مجيئِه، كما لا نعلمُ كيفيةَ نزولِه، أو كيفيةَ استوائه كما لا نعلم كيفية ذاته. فالمجيءُ معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ، والإيمانُ به واجبٌ، والسؤالُ عن الكيفيةِ بدعةٌ.
أمَّا نفاةُ الصفاتِ من الجهميةِ والمُعتزلة، ونفاةُ الأفعالِ كالأشاعرة ونحوهم؛ فينفون حقيقةَ المجيء كما ينفُون حقيقةَ النزولِ والاستواء على العرش، وأكثرُهم يتأوَّلون قولَه تعالى: ﴿وَجَاء رَبُّكَ﴾ [الفجر: ٢٢]؛ أي: جاء أمرُه (١)، وقد روي عن مالك ﵀ ما يصلح أن يكون شبهة لأهل
(١) وقد أبطل وردَّ ابن القيم على من حرَّف صفة المجيء وفسَّرها بمجيء أمره؛ بعشرة أوجه. ينظر: مختصر الصواعق المرسلة (٣/ ٨٥٦ - ٨٦٠). وينظر أيضًا: شرح حديث النزول (ص ١٣٩ - ١٤٩)، و (ص ٢٣٣ - ٢٣٦).