للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصفةَ لا بدَّ أن تقومَ بالموصوفِ، فهذا هو المعقولُ، لا بكلامٍ مخلوقٍ كما يقولُ المعتزلة والجهميةُ: إنَّ كلامَ اللهِ مخلوقٌ، ولا يقومُ به الكلامُ، ومعنى هذا أنَّ كلامَه تعالى الذي كلَّمَ به موسى مخلوقٌ، فقالوا: خلقَ الله كلامًا في الشجرة فسمعَه موسى (١)، وبناء على هذا قالوا: القرآنُ مخلوقٌ وهي القضيةُ التي وقعَت بسببها الفتنةُ والمحنةُ وثَبَّتَ اللهُ مَنْ ثبَّتَه من أهلِ السنَّةِ، وحفظَ اللهُ دينَه (٢).

فعبارةُ المؤلفِ جيدةٌ حيث قالَ: (كلَّمَ موسى بكلامه الذي هو صفةُ ذاته، لا خلقٌ من خلقه)، ففيه إثباتُ الكلامِ للهِ بكلام هو صفةُ ذاته ليس بمخلوق؛ يعني: كأنَّه يقول: خلافًا لمن زعمَ أنَّ كلامَ الله مخلوقٌ، والقرآنَ مخلوقٌ، وهناك مذاهبُ أُخرى لطوائف المتكلِّمين كالكُلَّابية؛ وهم أتباعُ أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كُلَّاب (٣)، وهو أحدُ المتكلِّمين المنتسبين إلى السنَّة، وكان يردُّ على المعتزلة، وعلى منهجه دَرجَ أبو الحسن الأشعري، وهؤلاء يقولون: إنَّ كلامَ الله معنىً نفسيٌ قائم بذاته، ليس بحرفٍ ولا صوت، وإنه قديمٌ لا تتعلَّقُ به المشيئةُ.

لكن ابن كُلَّاب يقول: إنَّه أربعة معانٍ: أمرٌ، ونهيٌ، وخبرٌ، واستخبارٌ، وأمَّا الأشعري في المذهب المشهور الموروث عنه فيقول: إنَّه معنىً واحد لا تعدُّد فيه، وهو قديمٌ لا تتعلَّقُ به المشيئةُ، وهو معنىً نفسيٌّ


(١) ينظر: التسعينية (١/ ٢٧٥ - ٢٧٦)، (٢/ ٤٤٠ - ٤٤١)، واقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٣٢٥)، ومجموع الفتاوى (٦/ ٣١٥ - ٣١٦)، (١٢/ ٥٠٢ - ٥٢٢).
(٢) ينظر: مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (ص ٤١٦ - ٤٦٤)، والبداية والنهاية (١٤/ ٣٩٣ - ٤٠٥).
(٣) تقدم التعريف به وبمذهبه في (ص ٩٣).

<<  <   >  >>