للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحت العرش كما صحَّ به الحديثُ (١)، وهذه الآيةُ والحديثُ وردا في شأن الذين قُتلوا في وقعةِ أُحدٍ، ومنهم: حمزةُ عمُّ النبيِّ (٢)، ومن أجل هذه الحياة نهى اللهُ عن أن نُسمَّيهم أمواتًا، ولكن باعتبار فراقهم الحياةَ الدنيا يُقال أنَّهم ماتوا، وتجري عليهم أحكامُ الأموات: من إرثِ أموالهم، ونكاحِ نسائِهم، ويُكفَّنون ويُدفنون، ومن آثار الحياةِ البرزخية؛ أنَّ أبدانَهم تبقى في القبور طريةً؛ أي: لا تأكلهم الأرضُ، كما شُوهد من حال بعضِهم، فتُشبِه حالُهم حالَ الأنبياء.

المسألة الثانية: قوله: (وأرواحُ أهلِ السعادة باقيةٌ ناعمةٌ إلى يوم يُبعثون، وأرواحُ أهلِ الشقاوةِ مُعذَّبةٌ إلى يوم الدِّين): الروحُ: ما به حياةُ الأبدان، تتَّصلُ بالبدن فيكون حيًّا، وتُفارقُه فيكون ميتًا، وهي مخلوقةٌ من جملة المخلوقات، قائمةٌ بنفسها؛ أي: ليست عرضًا كما يقول المتكلِّمون. وهي موصوفةٌ بصفاتٍ ثبوتيةٍ وسلبيةٍ، تذهبُ وتجيءُ، وتصعدُ وتهبطُ، وهي: موجودةٌ بعد مُفارقتها للبدن، تُنعم أو تُعذَّب.

وقد اضطرب الناسُ في حقيقتها؛ فالفلاسفةُ لا يصفونها إلَّا بالسُّلُوب، والمتكلمون يجعلونها من جنس الأجسامِ المشهودةِ، ويُعبِّرون عنها بعباراتٍ مختلفةٍ، وكِلا القولين باطلٌ، والحقُّ ما دلَّ عليه الكتابُ والسنَّةُ، وهو أنَّها مخلوقةٌ موصوفةٌ مخالفةٌ للأجسام المشهودة.


(١) أخرجه مسلم (١٨٨٧) من حديث عبد الله بن مسعود .
(٢) ينظر: أسباب النزول للواحدي (ص ١٢٨ - ١٢٩)، والعُجاب في بيان الأسباب (٢/ ٧٨٣ - ٧٨٨).

<<  <   >  >>