للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في قلب أمِّه من الحنان؛ حيث يعطِّفُهَا عليه، فتحملُه وترحمُه وتُحسِنُ إليه وترِقُّ له، فرِفقُ الأمِّ بابنها هو من رِفق ربّه به، وصرْفُ الآفاتِ عنه من رفقه تعالى.

وما يسرَّه اللهُ للعبد بعد ولادتِه من رزقه الحاضر، وهو أوّلُ رزقٍ يكسبه، وفي هذا الوقت تُعَدُّ للمولود الثيابُ والملابسُ قبل أن يُولدَ، فهل هذا من فِعل الإنسان؟! كذلك ما يُهيئ به ثديَا الأم، ممَّا تستعدُّ به من الرزق (اللبن)، فهذا مما يسَّره للطفل من الرزق.

ثم يتتابع هذا الرزقُ لعبده، ولو نقفُ مع هذا المعنى وقفاتٍ لانتهت أوقاتٌ في استعراض رزقِ اللهِ، فرزقُه ميسَّرٌ يبدأُ من مَولده، وهكذا يستمرُّ رِزقُ اللهِ لعبده.

ومن رِفق اللهِ أيضًا: ما يحصلُ للإنسان دونَ تسبُّبٍ منه، فما يحصل للطفل من خدمة الأبوين وعنايتِهما، لم يكن بتسبُّبٍ منه، بل هو من النعمِ التي يبتدئُ اللهُ بها العبدَ.

لكنْ نِعمُ اللهِ منها ما يُجريه على يد مَنْ شاء من الخلق، ومنها ما ليس كذلك، ثم بعد ذلك تتواصلُ النِّعمُ، إلى أنْ يكون من رزق الله ما يطلبُه الإنسان.

فهذا المولودُ مفطورٌ على طلب الرزق فأوَّلُ ما يولد يطلبُ الغذاء من ثدي أُمِّه فيلتقمُه ويرتضعُ اللبنَ، وإذا كَبُر وقَدِر طلب الرزقَ بعمله وسعى في الأرض لذلك، كما قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِّزْقِهِ﴾ [الملك: ١٥]، وقال تعالى: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ

<<  <   >  >>