للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأشاعرةُ وإن أثبتوا الصفات السبع المعروفة، فإنهم ينفون الصفاتِ الفعلية بناءً على أصلهم في نفي حلول الحوادث، وما ينفونه من الصفات كالمحبَّةِ والرضا والبُغضِ والغضبِ؛ منهم مَنْ يوجب فيها التفويض، ومنهم مَنْ يوجب فيها التأويل، فيؤولونها إمَّا بالإرادةِ، وإمَّا ببعضِ المخلوقاتِ من النِّعمِ والعقوباتِ (١).

قوله: (كلَّم موسى بكلامه الذي هو صفةُ ذاته، لا خلقٌ من خلقه):

في هذا تقريرٌ لإثباتِ كلام الله، وأهلُ السنَّةِ والجماعة يُثبتون الكلامَ كما يُثبتون سائرَ الصفات، فيقولون: إنَّ الله كلَّمَ ويُكلِّمُ، وقال ويقول، وأنَّه يتكلم إذا شاءَ بما شاء كيف شاء، ويستشهدون بالنصوص الكثيرةِ من الكتابِ والسنَّةِ؛ كما قال تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (١٦٤)[النساء]، ويقولون: إنَّ كلامَ الله قائمٌ به، وليس بمخلوقٍ، وأنه يتكلَّمُ بصوتٍ، ولهذا جاءَ وصْفُ كلامِه بالنِّداء؛ كما قال تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ﴾ [مريم: ٥٢]، وقال: ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا﴾ [الأعراف: ٢٢]، وقال: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ﴾ [القصص: ٦٢].

فيقولُ المؤلف: (كلَّمَ موسى): أي: اللهُ كلَّمَ موسى يوم كلَّمَه، وهو سبحانه كلَّمَ موسى مرتين: عند إرسالِه، وعندما واعدَه، فالتكليمُ الأوَّلُ لم يكن عن ميعادٍ، والتكليمُ الثاني كان عن ميعادٍ؛ كما قال تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾ [الأعراف: ١٤٢]، إلى قوله: ﴿وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾ [الأعراف: ١٤٣]، فكلَّمَ موسى بكلامِه الذي هو صفةُ ذاته؛ أي: بكلام قائم بذاتِه كغيره من الصفات؛ فإنَّ


(١) ينظر: شرح التدمرية (ص ١٤٦)، (ص ١٨٥).

<<  <   >  >>