للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا يؤتى بعدها بالفاء الجوابية (١)، إلَّا أَنَّ المؤلّفَ لم يأتِ بالفاء، فكان من المناسب أن يقول: «أمَّا بعد؛ فأعاننا اللهُ وإياك».

ومن الخطأ الشائعِ حذف أمَّا وجوابها والاقتصار على الظرف فيقولون: «وبعد»، وهذا الظرف مبنيٌّ على الضم؛ لأنَّه على نيَّة المضافِ إليه، والتقدير: وبعد ذلك؛ كقوله تعالى: ﴿مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ [الروم: ٤] على قراءة الضم، وهي: المشهورة (٢).

قوله: (أَعاننا اللهُ وإيَّاك على رِعاية ودائِعه، وحِفظِ ما أَودعَنا من شرائعه): هذه دعوةٌ حسنةٌ، فقوله: (أَعاننا اللهُ وإيَّاك): دعاءُ استعانة.

فأعانَ: فعلُ ماض، لكنه يؤتى به ويساوي: أسأل اللهَ أنْ يعينني وإياك، فالدعاءُ تارةً يأتي بفعل الطلب؛ اللهمَّ أعني، أو أستعينك يا اللهُ، أو بصيغةِ الفعلِ الماضي.

والمقصود بقول المؤلف: (على رِعاية ودائِعه) هي: الأمانات التي اؤْتُمِنَّا عليها، وربّما أَنَّ المؤلّفَ يُشيرُ إلى أنَّ هذا المُعلِّمَ مستودعٌ؛ وأنَّ الأولادَ وديعةٌ عنده، قد عُهِدَ إليه بتعليمهم، أو يريد ما هو أعمُّ من ذلك.

(وحِفظِ ما أَودعَنا من شرائعه): هذا تخصيصٌ بعد تعميمٍ، يعني: أنَّ الإنسان مودعٌ لودائعَ كثيرة، فنِعَمُ اللهِ، وما استرعي عليه من أهلٍ وولدٍ، وما عُهد إليه بحفظه؛ كلُّ ذلك وديعةٌ.


(١) ينظر: الكتاب لسيبويه (٣/ ١٣٧، ١٣٩)، والجنى الداني (ص ٥٢٢)، وشرح ابن عقيل على الألفية (٤/ ٥٢).
(٢) وقرئ شاذًا بالكسر فيهما كما في قراءة أبي السَمَّال، والجحدري اليماني. ينظر: الكامل في القراءات العشر والأربعين الزائدة (ص ٦١٦)، وشواذ القراءات للكرماني (ص ٣٧٤)، والبحر المحيط في التفسير (٨/ ٣٧٥).

<<  <   >  >>