للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فوقَ عرشِه المجيدِ ذاته): يعني وممَّا يجبُ الإيمانُ به: أنَّه تعالى فوقَ عرشِه، وقالَ: (بذاته)؛ لأنَّ هذا هو محلُّ الافتراقِ بين أهلِ السنةِ والمُبتدعة، فالمُبتدعةُ يقولون: اللهُ فوق العرش، لكنَّ الفوقيةَ عندهم فوقيةٌ معنوية، ليست فوقيةَ ذات، فإنهم يُثبتون علوَّ القَدْرِ، لكنّ محلَّ النزاعِ بين أهل السنة والمتكلمين هو: علوُّ الذَّاتِ وفوقيةُ الذَّاتِ (١)، واللهُ تعالى له الفوقيةُ بكلِّ معانيها، وله العلوُّ بكلِّ معانيه، ذاتًا وقدرًا وقهرًا (٢)، فالمؤلِّفُ صرَّحَ بفوقيَّةِ الذات؛ لقوله: (بذاته)، فكان ذلك صدمةً لمخالفيه من الأشاعرة، ولهذا ذكر شيخُ الإسلام أنَّ بعضَ أُولئك تأوَّلوا قولَ ابن أبي زيد فجعلوا المجيدَ صفةً لله، وقرأوه بالرفع، والصوابُ أنه مجرورٌ، صفةٌ للعرش، فصار المعنى على تأوليهم: أنَّ اللهَ مجيدٌ بذاته، وهذا تحريفٌ لكلام المؤلف، والصوابُ: أنَّ بذاته قيد لقوله: (فوق)، والكلامُ لا يحتمل إلَّا هذا المعنى، ومَن تأوَّله على خلافه فقد حرَّفه وكذَبَ على المؤلف، هذا مضمون كلامِ شيخ الإسلام، وهو في مجموع الفتاوى، المجلد الخامس، صفحة مئة وتسعةٍ وثمانين،


(١) وقد ألَّف أهل السنة المؤلفات الكثيرة المفردة بصفة العلو، كما ذكروا هذه العقيدة في كتبهم العامة في العقائد وغيرها، ومن المؤلفات المفردة: «العرش وما روي فيه» لمحمد ابن أبي شيبة العبسي، و «إثبات صفة العلو» للموفق ابن قدامة المقدسي، و «الرسالة العرشية» لابن تيمية مطبوعة ضمن مجموع الفتاوى (٦/ ٥٤٥ - ٥٨٣)، و «اجتماع الجيوش الإسلامية» لابن القيم، و «العلو للعلي العظيم» للذهبي وغيرها كثير من مؤلفات المعاصرين.
(٢) ينظر: مجموع الفتاوى (١٦/ ١٠٦)، والكافية الشافية (٢/ ٣١٤ - ٣١٥ رقم ١١٥٢ - ١١٥٨)، ومدارج السالكين (١/ ٤٨)، والصواعق المرسلة (٤/ ١٣٢٤ - ١٣٢٥)، ومعارج القبول (١/ ١٧٧ - ١٨٢).

<<  <   >  >>