إذن؛ الأشياءُ المخلوقةُ فيها خيرٌ وشرٌّ، واللهُ خالقُ الخير والشر، أمَّا فعلُ الربِّ سبحانه: حُكمه وقضاؤه وتقديره؛ فكلُّه خيرٌ، ليس فيه شرٌّ، والشرُّ لا يُضاف إلى الله اسمًا، ولا صفةً ولا فعلًا، فلا يكون في أسمائه، فكلُّها حُسنى، ولا في صفاته فكلُّها صفاتُ كمالٍ وحمدٍ، ولا في أفعاله فكلُّها أفعالُ عدلٍ وحكمةٍ، وإنَّما يكون في مفعولاته؛ أي: مخلوقاته.
وهذا ما فُسِّر به قولُ النبي ﷺ:«والشرُّ ليس إليك»(١)؛ أنه تعالى لا يخلق شرًّا محضًا؛ بل كلُّ الشرِّ الذي في المخلوقات شرٌّ نسبيٌّ ليس شرًا محضًا، وهذا يرجع إلى الإيمان بحكمته ﷾، وأنه حكيمٌ، ما خَلَق شيئًا عبثًا، فلم يخلق شيئًا إلا لمصالحَ وحِكمٍ يعلمُها سبحانه، وليس من شرط ذلك أن تكون عائدةً للعبد، بل قد يكون فيها شرٌّ لبعض الناس، وهو شرٌّ جزئي إضافي، فأمَّا شرٌّ كليٌّ، أو شرٌّ مطلقٌ؛ فاللهُ تعالى منزَّهٌ عنه.
وكلُّ ما خلقه اللهُ إمَّا أن يكون خيرًا محضًا، أو أنَّ وجودَه خيرٌ من عدمه باعتبار الحكمةِ العامة، فاللهُ خلقَ هذه الأضداد لحِكمٍ بالغةٍ، ومن حِكمه تعالى في خلقه: الابتلاء، قال تعالى: ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ﴾ [الملك: ٢]، وقال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ
(١) أخرجه مسلم (٧٧١) من حديث علي بن أبي طالب ﵁. وينظر تفسيره في: الكلم الطيب (ص ٤٣ - ٤٤)، وشفاء العليل (٢/ ٥٢)، وبدائع الفوائد (٢/ ٧٢٤)، وحادي الأرواح (٢/ ٧٧٠ - ٧٧١).