للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ [العنكبوت: ١٧]، وابتغاؤه يكون بالدعاء، وبفعل الأسبابِ التي خلقها اللهُ، وجعلها سببًا للأرزاق، فالرزقُ من: مطعمٍ ومشربٍ وملبسٍ ومسكنٍ، كلُّه من الله، ولا ينافي ذلك أن قدَّرَه الله بأسبابٍ، فإنَّ الأسبابَ والمسببات كلَّها خلقٌ لله، وكلها بقدَر اللهِ ومشيئته.

قوله: (وعلَّمه ما لم يكن يَعلم، وكان فضلُ اللهِ عليه عظيمًا):

كأنَّه في الأوَّل يشيرُ إلى الرزق المادي الذي يكون به غذاءُ الأبدانِ وقوامُها وبناؤها، وهنا يشيرُ إلى نوعٍ آخرَ، وهو من الرزق في الدنيا المتعلّق بالنفوس والعقول وهو العلم، يدل له قوله تعالى: ﴿وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [النحل: ٧٨]. لكنَّ الاستعدادَ للعلم موجودٌ، وأدواتُه موجودةٌ، فالإنسانُ منذ مولده قد ركَّب اللهُ فيه أصلَ العقلِ، وفيه السمعُ والبصرُ، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ﴾ [النحل: ٧٨].

لكنَّ تحصيلَها للعلم يكون تدريجيًّا؛ شيئًا فشيئًا، فيبدأُ التعلُّم منذ الصِّغر، أي: العلم الذي يُحصلُّه الإنسانُ بعد ولادته، فليس مقصورًا على العلم الذي يُحصلُّه بالدراسة وفي المدرسة بعد الكبر، بل يبدأُ التعلمَ منذ الصِّغر، فلا يَعرفُ الكلامَ إلا بتعليمٍ يتلقَّاه بسمعه، ويتلقَّى أيضًا ببصره بعضَ العلوم، فيميّزُ بين الإنسانِ والجدارِ، وبين أبويه، وبين إخوته، وينمو هذا العلمُ، وينمو العقلُ، وتنمو المداركُ شيئًا فشيئًا؛ حتى يبلغَ الإنسانُ ما قُدِّر له من ذلك.

<<  <   >  >>