للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصفاتُ العُلى يعني من حيث المعنى صفاتٌ عالية، كما قال تعالى: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الروم: ٢٧]. هذا من الإثباتِ المجملِ؛ يعني له الوصفُ الأكملُ والأطيبُ والأفضلُ، فله المثلُ الأعلى في جميعِ نعوته .

قوله: (لم يزل بجميع صفاته وأسمائه): يعني: أنَّ أسماءَه وصفاته ثابتةٌ له في الأزل، لم تحدث بعد أن لم تكن، وهذا فعلٌ يدلُّ على الاستمرارِ في الماضي، ما زالَ في الماضي ولا يزال في المستقبل، كما يقولُ الطحَّاوي: «ما زالَ بصفاتِه قديمًا قبل خلقِه، لم يزدَدْ بكونهم شيئًا لم يكن قبلُهم من صفتِه، وكما كان بصفاتِه أزليًا، كذلك لا يزالُ عليها أبديًا» (١). فصفاتُه الذاتية كلها لم تَزَلْ، يعني لم يَزَل عليمًا ولا يزال عليمًا، فليس لعلمه بداية ولا نهاية، ولم يزل حيًّا قيُّومًا، ولا يزالُ كذلك، ولم يزل سميعًا بصيرًا، ولا يزالُ كذلك، ولم يزل قديرًا، لم تحدثْ له قدرةٌ بعد أن لم يكن قادرًا؛ بل لم يزل على كلِّ شيءٍ قديرًا، ولا يزالُ كذلك، ولم يزل عزيزًا، والعزةُ صفته، ولا يزالُ كذلك، وهذا في الصفاتِ الذاتية ظاهرٌ.

أمَّا الصفاتُ الفعليةُ ففيها تفصيلٌ؛ لأنَّها تابعةٌ لمشيئته، فجنسُ الفعل وبعضُ أنواعه ممكن أن تقول: الله تعالى لم يزل فعَّالًا لِمَا يُريد، فكونُه فعَّالًا هذا صفةٌ لازمةٌ لذاته، فلم يزل قادرًا على الفعلِ، فعَّالًا لِمَا يريد، فما أرادَ أن يفعلَه فعلَه؛ لأنه لا يُعجزُه شيءٌ، ولا يمنعُه شيءٌ ممَّا أرادَه .


(١) ينظر: شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (١/ ٩٦).

<<  <   >  >>