للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعليه فنفيهم للرؤية فرعٌ عن نفيهم للصفات، ولهذا قال عبد العزيز الماجشون (١): «وإنما جحدَ رؤية الله يوم القيامة؛ إقامة للحجة الضالة المضلة؛ لأنَّه قد عرف أنه إذا تجلَّى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمنين، وكان له جاحدًا» (٢).

ومن أقوال أهل البدع المنحرفة في مسألة الرؤية: قول الأشاعرة، فإنَّهم يقولون: إنَّه تعالى يُرى لكن لا في جهة، يعني: لا يُرى من فوق، ولا عن يمين، ولا عن شمال، ولا من أسفل، وهذا جارٍ على طريقتهم في التلفيق في باب الصفات، كما صنعوا في إثبات الصفات فأثبتوا بعضها ونفوا أكثرها، ومثل ذلك قولهم في صفة الكلام؛ فإنهم أثبتوا الكلامَ النفسيَّ، ونفوا الكلامَ المسموع، وهكذا قولهم في الرؤية ملفَّقٌ من مذهب أهل السنَّة، ومن مذهب المعتزلة، بل حقيقةُ قولهم في الرؤية يؤول إلى نفي الرؤية، فإنَّ الرؤيةَ في غير جهةٍ غيرُ معقولة؛ لأنَّه لا بدَّ أن يكون المرئيُّ في جهةٍ من الرائي، ولذا أهلُ السنَّةِ والجماعةِ يقولون: إنَّ اللهَ تعالى يُرى في العلو.

ومنشأُ قولِ الأشاعرةِ من أنَّه تعالى يُرى لا في جهة؛ هو أنَّهم ينفون صفةَ العلو لله ﷿، فهم ينفون علوَّ اللهِ ﷿ على خلقه، فاللهُ عندهم


(١) عبد العزيز الماجشون: عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، أبو عبد الله التيمي، قيل له ولأهل بيته: «الماجشون»؛ لحمرة خدودهم، وقيل غير ذلك، وكان من الأئمة الكبار، وأحد فقهاء أهل المدينة، ثم رحل إلى بغداد، فسكنها وحدث بها إلى حين وفاته سنة (١٦٤ هـ)، وصلى عليه الخليفة المهدي. ينظر: تاريخ بغداد (١٢/ ١٩٤ رقم ٥٥٥٤)، والسير (٧/ ٣٠٩).
(٢) ينظر: الإبانة الكبرى لابن بطة (٧/ ٦٦).

<<  <   >  >>