للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيُيَّسَر لعمل أهل السعادة، وأمَّا من كان من أهل الشقاء فيُيَّسَر لعمل أهل الشقاوة»، ثم قرأ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦)[الليل] الآية (١)، فكلٌّ مُيسَّرٌ لِمَا خُلِقَ له من شقاوةٍ وسعادة، فمَن كان من أهلِ السعادة؛ فيُيسَّرُ لعملِ أهل السعادةِ فيصيرُ من السعداء، ومَن كان من أهلِ الشقاوة؛ يُيسَّرُ لعملِ أهلِ الشقاوةِ فيكون شقيًّا.

قوله: (تعالى اللهُ أن يكون في ملكه ما لا يريد):

هذا تنزيهٌ لله عن العجز، وفيه الردُّ على القدرية النفاةِ القائلين بأنَّ أفعالَ العباد ليست بمشيئةِ الله، وأنها خارجةٌ عن قدرته عن ذلك، فلازم كلامِهم: أنَّ الله يكونُ في ملكِه ما لا يريد؛ كالكفر والمعاصي، بل كل ذلك يكون قهرًا على الله.

ولهذا قالَ أهلُ السنَّةِ: إنَّ قولَ القدريةِ يتضمنُ تعجيزَ الرب؛ أي أنَّه عاجز، فلا يقدرُ أن يهدي ضالًّا ولا أن يُضِلَّ مُهتديًا، ولا يتصرَّفُ في أفعال العباد، لأنَّها لا تدخل تحت قدرته (٢)، وهذا مذهبٌ باطلٌ شرعًا وعقلًا؛ واللهُ ﷿ قد أكذبهم في غير ما آيةٍ من كتابِه الكريم، من ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون (١١٢)[الأنعام]، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ [الأنعام: ١٠٧]، وقد رُوي أنَّ القاضي عبد


(١) أخرجه مسلم (٢٦٤٨ - ٨) عن سراقة بن مالك إلى قوله: «فكل ميَّسر»، وأخرج الجزء الآخر البخاري (٤٩٤٩) عن علي .
(٢) تنظر قصة إلزام مجوسيٍّ لرجلٍ ينفي القدر، وكذا قصة الأعرابي مع عمرو بن عبيد المعتزلي في: كتاب القدر للفريابي (٣٥٩)، والإبانة الكبرى (٤/ ٢٧٩، رقم ١٩١٣)، (٤/ ٢٨٠، رقم ١٩١٤)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (٤/ ٨١٦ - ٨١٧، رقم ١٣٧٦).

<<  <   >  >>