للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نُهينا عن التفكُّر في الله، وأُمرنا بالتفكُّر في خلقه الدالِّ عليه» (١)؛ أي: تَفَكَّرْ في آياتِ الله الدالةِ على قدرته وعلمِه وحكمتِه ورحمتِه، ولا تُفَكِّرْ في ذاته؛ فإنه لا سبيلَ إلى معرفةِ كُنهِ ذاته، أو كُنهِ صفاته، ولهذا قالَ أهلُ العلم: إنَّه يجب الإيمان بما وَصَفَ الله به نفسه، أو وَصَفَه به رسولُه من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ ولا تمثيل، فيجبُ الإيمان بصفاتِه بإثباتِ ما أثبتَه اللهُ لنفسه، ونفيِ مُماثلتِه لخلقه، ونفيِ العلم بالكيفية، فهذه الأمور الثلاثة هي مرتكز مذهب أهل السنة (٢)، ويجبُ أن نعلمَ أنَّ لصفاته ولذاتِه كيفيةً لكن لا سبيلَ للعبادِ إلى معرفِتها، فالمنفيُّ هنا هو العلمُ (٣).

فإذن: ذاتُه لها كُنْهٌ، وصفةٌ، وحقيقةٌ، ولكن لا يبلغُ ذلك الواصفون، ولا يحيطُ به المُتفكرون، وممَّا يتصل بهذا المعنى قول بعضهم: «كلُّ ما خطر ببالك فاللهُ بخلاف ذلك»، وهذه العبارةُ من الألفاظ المجملةِ التي تحتاج إلى تفصيل؛ فنقول: كلُّ ما خطر ببال العبدِ من الكيفيات في الذات والصفات فاللهُ بخلافِ ذلك؛ لأنَّ ما يخطرُ بالبال من الكيفيات أصلُه ما يعرفه الإنسانُ من كيفية المخلوقات المشاهدة، أمَّا ما يخطر بالبال من معاني الصفات؛ كالعلم والقدرة والسمع والبصر وغير ذلك؛ فلا يجوز أن


(١) جامع بيان العلم (٢/ ٩٣١، رقم ١٧٦٩).
(٢) ينظر: آداب البحث والمناظرة للشنقيطي (ص ٣٦٥ - ٣٦٩)، وشرح العقيدة التدمرية (ص ٨٧)، وشرح العقيدة الطحاوية (ص ٦٦)، وتوضيح مقاصد الواسطية (ص ٧٣).
(٣) ينظر: بيان تلبيس الجهمية (٨/ ٣٠٥)، ومجموع الفتاوى (٥/ ١٨١)، (١٣/ ٣٠٩) وشرح التدمرية (ص ٧٨)، وشرح القصيدة الدالية (ص ٦٧)، وتوضيح مقاصد الواسطية (ص ٧٤).

<<  <   >  >>