لكن الذين انتبهوا هم المذكورون في قول الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١)﴾ [آل عمران].
فنفس الأحداثِ التي تجري الآن في هذا الوجود، مِنْ الناس مَنْ يعتبر بها وينتبه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَار (١٣)﴾ [آل عمران].
فالمتفكّرُ والْمُوَفَّق ينتبهُ ويُلاحظُ ويتدبّرُ؛ ونتيجةٌ لهذا التنبُّهِ والتدبُّر يذكرُ ربَّه، ويُسبّحُ بحمده، وتزدادُ معرفتُه بالله. فهذا هو النوع الأوَّل، وهو التنبيه الكوني.
أمَّا النوع الثاني فهو: التنبيهُ الشرعيُّ، فالآياتُ الكونية فيها حجّةٌ على العباد، لكن لا يكون بها الإعذارُ وحدها، بل الإعذارُ يكون بإرسال الرسل، كما قال تعالى: ﴿رُّسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥]. فأرسلَ اللهُ الرسلَ ليُعرِّفوا العبادَ بربّهم، ويُعرِّفونهم بالطريقِ الموصِلِ إليه، وبمصيرِهم، ويُقيمون الأدلةَ على ما جاؤوا به، فمَن أطاعهم سعدَ وأفلحَ، ومَن عصاهم هلكَ، قال تعالى: ﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال: ٤٢]، وجاء في الحديث الصحيح:«لا أَحَدَ أَحَبُّ إِليه العُذرَ من اللهِ؛ ومن أَجلِ ذلك بعث المبشرين والمنذرين»(١).
(١) أخرجه البخاري (٧٤١٦) - واللفظ له -، ومسلم (١٤٩٩) من حديث المغيرة بن شعبة ﵁.