للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلابدَّ منهما جميعًا، ولهذا قال النبي : «بُني الإسلامُ على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله … » (١)، فَعَدَّ الشهادتين أصلًا واحدًا من مباني الإسلام الخمسة.

لذلك قال أهلُ السنَّة: إنَّ أوَّلَ واجبٍ على العبد هو التوحيدُ، خلافًا لأهل الكلام الذين قالوا: إنَّ أوَّلَ واجبٍ هو النظرُ، ويريدون بالنظر التفكر في الأدلة الكونية مثلًا، فقالوا: إنَّ أوَّل واجبٍ هو النظرُ، وبعضُهم تنطَّع وقال: بل أوَّل واجبٍ القصدُ إلى النظر، وغلا بعضهم حتى قال: إنَّ أوَّل واجبٍ هو الشك! يعني أوَّل واجبٍ أن يَشكُّ الإنسانُ في الحقائق، فيشكُّ في وجود الله وفي إلهيته، ثم بعد ذلك ينظر في الأدلة!

فبئس ما قالوا، أنْ جعلوا الكفرَ هو أوَّلُ واجبٍ؛ لأنَّ الشكَّ بالله كفرٌ.

وهذه الأقوالُ ظاهرةُ الفسادِ والبطلان (٢).

والنظرُ مشروعٌ، وقد ندب اللهُ إليه العباد، لكن لا يقال: إنَّه أوَّل واجبٍ، فمَن كان عنده توقُّفٌ أو شكٌّ مثل حالِ الكفَّار؛ فعليه أن ينظرَ في الأدلة الكونية والشرعية؛ كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٨٥]، وقال: ﴿﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ﴾ [الروم: ٨]، وقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤)[محمد].


(١) أخرجه البخاري (٨) - واللفظ له -، ومسلم (١٦) من حديث ابن عمر .
(٢) تنظر أقوال المتكلمين في مسألة النظر وأوَّل واجب في: الإنصاف فيما يجب اعتقاده للباقلاني (ص ٢٨)، والشامل للجويني (ص ١٢٠ - ١٢٣)، وأبكار الأفكار للآمدي (١/ ١٧٠ - ١٧٢).

<<  <   >  >>