للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجبار الهمذاني المعتزلي (١) دخل على أبي إسحاق الإسفرائيني (٢) فقال: «سبحان مَنْ تَنَزَّه عن الفحشاء»، وهذا كلامٌ طَيِّبٌ في ظاهره، لكنَّه يرمز به إلى شيءٍ من مذهبه، فهو يريد أن يعترضَ به على من يُثبِتُ القدرَ، فيقول: «سبحان مَنْ تَنزَّهَ عن الفحشاء»؛ يعني: سبحان مَنْ تَنزَّه عن أن يريد الكفر والمعاصي، ففَهِم أبو إسحاق الإسفرائيني مغزاه، فأجابه على الفور قائلًا: «سبحان مَنْ لا يكون في مُلكه إلا ما يشاء» (٣).

والإرادةُ نوعان: إرادةٌ كونية، وهي بمعنى المشيئةِ، وإرادةٌ شرعيةٌ وتتضمنُ المحبةَ، وفرَّق العلماءُ بينهما، فمن شواهدِ الإرادةِ الكونية؛


(١) القاضي عبد الجبار الهمذاني: عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار، شيخ المعتزلة، ولي قضاء القضاة بالريِّ، وله تصانيفه كثيرة منها: «دلائل النبوة»، و «طبقات المعتزلة»، و «شرح الأصول الخمسة»، تخرج به خَلق في الرأي الممقوت، مات سنة (٤١٥ هـ). ينظر: طبقات المعتزلة (ص ١١٢)، وسير أعلام النبلاء (١٧/ ٢٤٤ رقم ١٥٠)، وطبقات الشافعية الكبرى (٥/ ٩٧ رقم ٤٤٣).
(٢) أبو إسحاق الإسفرائيني: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأصولي، الشافعي، الملقب ركن الدين، أحد المجتهدين في عصره ومن أئمة الأشاعرة، ارتحل في الحديث وسمع من: دعلج السجزي، وأبي بكر الإسماعيلي وحدث عنه: أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، ومن تصانيفه: «الجامع في أصول الدين والرد على الملحدين»، و «مسائل الدور» وغير ذلك، توفي بنيسابور يوم عاشوراء سنة (٤١٨ هـ). والإسفرائيني تضبط أيضًا: (الإسفراييني) أو بياء واحدة (الإسفرايني) نسبة إلى (إسفرايين) بلدة بخراسان بنواحي نيسابور. ينظر: الأنساب (١/ ٢٣٥)، وطبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح (١/ ٣١٢ رقم ٨٧)، وطبقات الشافعية الكبرى (٤/ ٢٥٦ رقم ٣٥٨)، والسير (١٧/ ٣٥٣ رقم ٢٢٠).
(٣) أورد هذه المناظرة: الرازي في «تفسيره» (٢١/ ٧٣)، والسبكي في «طبقات الشافعية» (٤/ ٢٦١ - ٢٦٢)، وابن حجر - دون أن يُسمي المتناظرَيْن - في «الفتح» (١٣/ ٤٥١).

<<  <   >  >>