للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بقوله تعالى لموسى: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف: ١٤٣]، وزعموا أن «لن» للتأبيد يعني: لن تراني أبدًا.

وقد ردَّ المحقِّقُون من أهل اللُّغَة القول بأنَّ «لن» تفيد التأبيد، كما قال ابن مالك في «الكافية الشافية»:

وَمَنْ رَأَى النَّفْيَ بِ «لَنْ» مُؤبَّدَا … فَقَولَهُ ارْدُدْ وَخِلَافَهُ اعْضُدَا (١)

فالصحيح أنَّ «لن» تكون للتأبيد ولغير التأبيد، ومما يدل على ذلك قوله في اليهود: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ﴾ - يعني الموت - ﴿أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [البقرة: ٩٥]، فاجتمع في هذه الآية «لن» مع ذكر التأبيد، وقد أخبر أن أهل النار يتمنون الموت كما قال سبحانه: ﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُون (٧٧)[الزخرف]، فعُلم أن النفي في آية البقرة - وهو نفي تمنيهم الموت - إنما هو في الدنيا، وأيضًا فإنه تعالى لو كان لا يُرى أبدًا لم يقل لموسى : ﴿لَنْ تَرَانِي﴾، ولقال له: إني لا أُرى، وفرقٌ بين اللَّفظين، فإنَّ قولَه: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ يُفهم منه أنه تعالى يُرى ولكنَّ موسى لن يراه في ذلك الوقت الذي طلب فيه الرؤية.

وقد أطال الإمام ابنُ القيِّم في ردِّ الاستدلال بهذه الآية على نفي الرؤية من سبعة أوجهٍ في كتابه «حادي الأرواح» (٢).

وها هنا نكتةٌ لطيفةٌ، وهي: أن نفي المعطلةِ للرؤية مناسبٌ لنفي الصفات؛ لأنَّ ما لا صفة له لا وجود له فهو معدومٌ، والمعدومُ لا يُرى،


(١) الكافية الشافية بشرح الناظم (٣/ ١٥١٥).
(٢) حادي الأرواح (٢/ ٦٠٥ - ٦٠٨).

<<  <   >  >>