للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا لَمَّا قيل للإمام مالك: كيف استوى؟ قال: «الاستواءُ معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ، والإيمانُ به واجبٌ، والسؤالُ عنه بدعةٌ» (١).

إذن: أهلُ السنَّة والجماعة يُثبتون العلوَّ والاستواء، وهما معنيان بينهما تناسُبٌ، كما تقدَّم أنَّ الاستواءَ يتضمنُ العلوَّ، لكن العلوَّ صفةٌ ثابتةٌ ذاتيةٌ لله تعالى أزلًا وأبدًا، والاستواءُ صفةٌ فعليَّةٌ، والعلوُّ: هو على جميعِ المخلوقاتِ ففيه عمومٌ، فتقول: اللهُ عالٍ على جميعِ خلقه، لكن في الاستواءِ لا يقال إلَّا أنَّه مستوٍ على العرش، فالاستواءُ مختصٌّ بالعرشِ.

ومن الفروق بين العلوِّ والاستواء: أنَّ الاستواءَ طريقُ العلمِ به هو الكتابُ والسنَّةُ والإجماعُ؛ أمَّا العلوُّ: فطريقُ العلم به السمعُ والعقل، فعلوُّه على خلقه ثابتٌ بالكتابِ والسنَّةِ والإجماعِ والعقلِ والفطرةِ (٢).

وأنكرَت المُعطلةُ: الجهميةُ والمُعتزلةُ ومَن وافقَهم كالأشاعرةِ عُلوَّه تعالى بذاتِه واستواءَه على عرشه، كما تقدَّم (٣)، وزعموا أنَّ ذلك يدلُّ على حصره تعالى في مكان، ويستلزمُ أن يكون جسمًا؛ قالوا: والأجسام مُتماثلةٌ، فيلزمُ من ذلك التشبيه.

ولهم سوى ذلك شبهات قد كشَفها علماءُ أهلِ السنَّة وللهِ الحمدُ، وهي شبهاتٌ داحضةٌ، وما أخبرَ الله به عن نفسِه وأخبرَ به عنه رسولُه حقٌّ، فكلُّ ما عارضَه فهو باطلٌ، فالاستواءُ يجب الإيمانُ به كما جاءَ في جوابِ الإمام مالك وغيره، فيجبُ إثباتُ حقيقةِ الاستواءِ لله، مع


(١) تقدم تخريجه في (ص ٥٨).
(٢) ينظر شرح حديث النزول (ص ٣٩٥)، ومجموع الفتاوى (٥/ ١٢٢)، وشرح التدمرية (ص ٢٨٠)، وتوضيح مقاصد الواسطية (ص ١١٢).
(٣) تنظر: (ص ٧٣).

<<  <   >  >>