للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمحرِّفون اختاروا قراءةَ الرفع؛ ليكون معنى قول ابن أبي زيد: المجيدُ بذاته، وهذا الموضعُ مما يتميزُ به عن جمهور الأشاعرة، وهو إثباتُه لفوقية الذات، ولهذا عُدَّ من أهل السنَّةِ والجماعةِ.

قوله: (وهو في كلِّ مكانٍ بعلمِه):

في هذه الجملة مع التي قبلها تحقيقٌ لمذهب أهلِ السنَّة، وهو أنه تعالى بذاته فوق العرش، وعلمه في كلِّ مكان، وفي هذا إبطالٌ لقول الحلولية نفاة الفوقية القائلين بأنَّه تعالى في كلِّ مكانٍ بذاته، وليس هو تعالى فوق العرش.

فنصوصُ العلم ونصوصُ المعيَّةِ تدلُّ على أنه تعالى وإنْ كان فوق العرشِ؛ فعلمُه مُحيطٌ بكلِّ شيءٍ، وسمعُه واسعٌ لجميعِ الأصوات، وبصرُه نافذٌ لجميع المخلوقات، فيعلمُ ما يُسِرُّ العباد وما يُعلنُون، فلا تخفى عليه خافيةٌ؛ كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ﴾ [آل عمران: ٢٩].

إذن: هو نفسُه تعالى فوق العرشِ، وهو مع العبادِ بسمعِه وبصرِه وعلمه .

وقد وضَّحَ العلماءُ معنى المعيةِ العامة بأنها معيَّةُ العلمِ (١)، فليس هو معهم بذاتِه بمعنى أنه مُختلطٌ بهم. يقول شيخُ الإسلام: «فإن هذا


(١) ينظر: الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد (ص ٣٠٧ - ٣٠٨)، ومنهاج السنة (٨/ ٣٧٢ - ٣٧٥)، والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (ص ٢٤٥ - ٢٤٧)، ومختصر الصواعق (٣/ ١٢٤٦ - ١٢٤٩)، ومدارج السالكين (٢/ ٦٢٢).

<<  <   >  >>