للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لهذا المقام قولُ شيخِ الإسلام في «العقيدة الواسطية» عن أهل السنَّةِ: «ويُمسكون عمَّا شجر بين الصحابة، ويقولون: إنَّ هذه الآثار المروية في مساوئهم منها ما هو كذبٌ، ومنها ما قد زِيدَ فيه ونقصَ وغُيِّرَ عن وجهه، والصحيحُ منه هم فيه معذورون إمَّا مجتهدون مُصيبون، وإمَّا مجتهدون مخطئون، وهم مع ذلك لا يعتقدون أنَّ كلَّ واحدٍ من الصحابة معصومٌ عن كبائر الإثم وصغائره؛ بل تجوز عليهم الذنوبُ في الجملة، ولهم من السوابق والفضائلِ ما يُوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنَّه يُغفَرُ لهم من السيئات ما لا يُغفر لمن بعدهم؛ لأنَّ لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم» (١).

وقول المؤلف: (ويُظَنُّ بهم أحسن المذاهب): أي: أحسن الآراء، فإنَّ مَنْ رأى رأيًا فهو مذهبه، ولهذا يقال: يرى في هذه المسألة كذا، ويذهب إلى كذا؛ فمعنى الجملة: ويُظَنُّ بهم أحسن الظنون، ومن حقِّ الصحابة على الأمة محبَّتُهم لفضلهم عند الله، والحذر من بُغض أحدٍ منهم، ولهذا قال الطحاوي في عقيدته: «ونحبُّ أصحابَ رسولِ الله ، ولا نُفْرِطُ في حبِّ أحدٍ منهم، ولا نتبرأُ من أحدٍ منهم، ونبغِضُ مَنْ يُبغِضُهم، وبغيرِ الخيرِ يذكرُهم، ولا نذكرهم إلا بخيرٍ، وحبُهم دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، وبغضُهم كفرٌ ونفاقٌ وطغيانٌ» (٢)، ومِن أحسن ما يُذكَر في هذا المقام عبارةٌ لشيخ الإسلام ابن تيمية في بيان منزلة الصحابة؛ قال في «العقيدة الواسطية»: «ومَن نظر في سيرة القومِ بعلمٍ


(١) العقيدة الواسطية (ص ١٢٠).
(٢) الطحاوية وشرحها لابن أبي العز (٢/ ٦٨٩).

<<  <   >  >>