للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

واختلف في سبب صيرورة الماء مستعملاً، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف الماء إنما يصير مستعملاً بأحد الأمرين: إما بإزالة الحدث، أو بإقامة القربة، وعند محمد لا يصير مستعملاً إلَّا بإقامة القربة، وعند زفر والشافعي لا يصير مستعملاً إلَّا بإزالة الحدث، وهذا الاختلاف لم ينقل عنهم نصًا، لكن مسائلهم تدل عليه.

وجه قول من قال: إن الماء المستعمل طهورٌ، ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منه أنه قال: "الماء طهور لا ينجسه شيء إلَّا ما غير"، الحديث (١). ولم يوجد التغير بعد الاستعمال، فبقي على طهوريته، ولأن هذا ماء طاهر لاقى عضوًا طاهرًا، فلا يصير نجسًا، كالماء الطاهر إذا غسل به ثوب طاهر، أما كون الماء طاهرًا فظاهر.

وأما كون المحل طاهرًا، فالدليل عليه أن كونه طاهرًا حقيقة، فلانعدام النجاسة الحقيقية، وأما حكمًا فلقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن المؤمن لا ينجس". وقال - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها -: "ليست حيضتك في يدك"، ولهذا جازت صلاة حامل الحدث والجنب، وحامل النجاسة لا تجوز، إلَّا أنه لا يجوز التوضؤ به؛ لأنه تمكن فيه نوع خبث لإزالة الآثام كالمال الذي تصدق به، ولهذا سميت الصدقة غُسالة الناس، وقد ورد الشرع باستعمال الماء المطلق، وهو الذي لا يقوم به خبث، وأيضًا استدلوا على طهورية الماء المستعمل (٢) بصبه - صلى الله عليه وسلم - لوضوئه على جابر، وبتقريره للصحابة على التبرك بوضوئه.

والدليل على كون الماء المستعمل نجسًا، هذا الحديث وما ورد في معناه من الأحاديث التي رواها أصحاب الصحاح، ووجه الاستدلال به


(١) انظر: "نصب الراية" (١/ ٩٤). (ش).
(٢) بسط الحافظ في "الدراية" (١/ ٥٤) دلائل طهارة الماء المستعمل. (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>