فيه:"إن له دسمًا"، فهذا التعليل كما يدل على استحباب الوضوء اللغوي على شرب اللبن لإزالة الدسومة، كذلك يدل على استحباب الوضوء اللغوي من أكل كل ما فيه دسومة من لحم الجزور والبقر والغنم، فكما حمل الأمر بالمضمضة والوضوء على استحباب غسل الفم، كذلك يحمل الأمر بالوضوء على استحبابه، وهذا ظاهر جدًا لمن جعل الإنصاف نصب عينيه والله ولي التوفيق.
وكذلك يدل عليه أنه اجتمع عليه الخلفاء الراشدون والأعلام من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن إجماعهم على ترك الوضوء مما مست النار لا يمكن أن يكون مبنيًا على الجهل عن حكم وجوب الوضوء مما مست النار، بل لا بد أن يكون محمولًا على أن هذا الحكم منسوخ عندهم، أو محمولًا على المعنى اللغوي.
فهذه قرائن تدل بعضها على أن الوضوء مما مست النار محمول على الوضوء اللغوي، وبعضها تدل على أنه محمول على الوضوء الشرعي ومنسوخ.
(٧٨)(بَابٌ: في الْوُضُوءِ مِن اللَّبَنِ)
المراد بالوضوء ها هنا الوضوء اللغوي لا الاصطلاحي، بأن من شرب لبنًا يستحب له أن يزيل الدسومة من فيه بالماء، وهذا مجمع عليه، ولم أقف (١) على اختلاف فيه.
(١) قلت: لكن ابن أبي شيبة ذكر الآثار ممن قال به، كما في هامش "الكوكب" (١/ ١٢٣) وهكذا بوب الترمذي، وقال ابن العربي (١/ ١٣١): مستحب عند العلماء إلَّا أن تكون الرائحة الكريهة غالبة من صناعة أو ملازمة شعث، فتكون إزالتها واجبة، والخروج عن الجماعة لأجلها فرض، كالثوم والبصل يأكلهما المرء. (ش).