للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(٥٠) بَابُ النَّهْي أَنْ يُخَصَّ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ

===

والجواب عن حديث عقبة أنه ليس فيه نهي صريح عن صوم يوم عرفة، فكونه عيدًا لا ينافي الصوم مع أنه مختص بأهل عرفات، والظاهر أن قوله: "وهي أيام أكل وشرب"، راجع إلى يوم النحر وأيام التشريق.

ثم رأيت في "النيل"، فقال الشوكاني (١): واعلم أن ظاهر حديث أبي قتادة المذكور في الباب أنه يستحب الصوم يوم عرفة مطلقًا، وظاهر حديث عقبة بن عامر أيضًا أنه يكره صومه مطلقًا لجعله قريبًا في الذكر ليوم النحر وأيام التشريق، وتعليل ذلك بأنها عيد وأنها أيام أكل وشرب، وظاهر حديث أبي هريرة أنه لا يجوز صومه بعرفات، فيجمع بين الأحاديث بأن صوم هذا اليوم مستحب لكل أحد، مكروه لمن كان بعرفات حاجًّا، والحكمة في ذلك أنه ربما مؤديًا إلى الضعف عن الدعاء والذكر يوم عرفة هنالك، والقيام بأعمال الحج.

(٥٠) (بَابُ النَّهْي أَنْ يُخَصَّ (٢) يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ)


(١) " نيل الأوطار" (٣/ ٢١٩).
(٢) قلت: اختلفوا فيه على ثمانية أقوال، ذكرت في "الأوجز" (٥/ ٣٦٠ - ٣٦٢)، ومكروه إفراده عند الشافعية وأحمد، ومندوب عند مالك ولو منفردًا، واختلف نقلة مذهب الحنفية، والعامة على الندب، والمحققون على الكراهة، واختلفوا في وجه الكراهة على ثمانية أقوال، ذكرت في "الأوجز" (٥/ ٣٦٥ - ٣٦٧)، والراجح كونه شبه عيد.
وفي "التقرير": والوجه في الكراهة ما يلزم من توهم أن الصوم فيه يفضل على صوم باقي أيام الأسبوع، مع أن ذلك غير مبين في كلام الله ورسوله، فما ورد في فضل يوم الجمعة فإنما وروده في الذكر فيه والصلاة والصدقة دون الصوم، فكان إبداع الصوم فيه إصلاحًا للرسالة بإتمام ما تركه الرسول، ولما لم يكن ذلك الادِّعاء إلا صورة لا حقيقة لم يزد على كراهة تنزيهية، وينتفي الوجه بصوم يوم الخميس معه أو السبت.
وكذلك صوم يوم السبت لما كان فيه صورة تعظيم للسبت وليس بتعظيم له حقيقة كره ذلك، وتنتفي الكراهة بضم يوم آخر, لأن اليهود تفرده بالتعظيم، فإن صام معه يوم الأحد كان ظاهره تعظيمًا ليوم الأحد، فلزم التشبه باليهود والنصارى، ولكن الصوم لما لم يكن في خصائص اليهود ولا النصارى كان التشبه فيه أقل قليل يفتقر في زواله =

<<  <  ج: ص:  >  >>