يقول الراقم: وربما انتقى من روايته، فليس كل متروك يروي دائمًا متروكًا، أو يكون جميع ما يرويه متروكًا دائمًا، وربما يروي ما يكون صحيحًا أو على الأقل متحمّلًا. وهناك نظائر، إنَّ كثيرًا من المحدّثين ربما يختارون وينتقون من روايات الضعيف ما يتحمل على حسب أذواقهم وبصائرهم، وبصيرتهم تفصل بين الضعيف وغيره، وليس المدار دائمًا على الراوي، وإنما دخل في البين الذوق والبصيرة والقرائن والشواهد وما إلى ذلك. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
ويقول أبو داود: وليس ثلث هذه الكتب (أي الكتب في السنن) فيما أحسبه في كتب جميعهم أعني مصنفات مالك بن أنس وحماد بن سلمة وعبد الرزّاق.
وقال: ولا أعرف أحدًا جمع على الاستقصاء غيري.
ويقول: ولم أصنِّف في كتاب "السنن" إلَّا الأحكام، ولم أصنّف كتب "الزُّهْد" و"فضائل الأعمال" وغيرها، فهذه الأربعة الآلاف والثمانمائة كلّها في الأحكام، انتهى.
* فقد تلخّص من كلمات الإِمام أبي داود وغيره أمور:
الأوَّل: أنَّ كتاب "السنن" يحوي خمسة آلاف حديث من المرفوعات إلَّا مائتين، منتخبة من خمسمائة ألف حديث، وبضم المراسيل الستمائة يكون ما تضمَّنه ٥٤٠٠ حديثًا.
الثاني: أنه لا يُضاهيه كتاب في أحاديث الأحكام في كثرة الجمع، لا كتاب مالك ولا كتاب سفيان ولا كتاب حمَّاد وغيرهم.
الثالث: أنَّ هذا الكتاب وحده أكثر جمعًا من سائر الكتب المؤلَّفة في الأحكام، بل ثلثه يفوق على تلك الكتب كلّها.
الرابع: أنَّ شطر الكتاب اتفق الشيخان أو أحدهما على تخريجه.