فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:"تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، إِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ". [خ ١٣٠٣، م ٣١٥]
(٢٩) بابٌ: في النَّوْحِ
٣١٢٧ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عن أَيُّوبَ،
===
فَدَمَعَتْ) أي سألت بالدمع (عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: تدمع العين، ويحزن القلب) لأنهما ليسا باختيار العبد (ولا نقول إلَّا ما يرضى ربنا) وهو فاعله، وفي نسخة بضم الياء وكسر الضاد المعجمة من باب الإفعال، وربنا مفعوله، فعلى الأول يقدر لفظ "به" أي ما يرضى به ربنا (إنا بك) أي بفراقك (يا إبراهيم لمحزونون) أي طبعًا وشرعًا، وفيه إشارة إلى أن من لم يحزن فمن قساوة قلبه، ومن لم يدمع فمن قلة رحمته، فهذا الحال أكمل عند أرباب الكمال من حال من مات له ولد من المشايخ فضحك، فإن العدل أن يعطى كل ذي حق حقَّه (١).
(٢٩)(بابٌ: في النَّوْح)
٣١٢٧ - (حدثنا مسدد، نا عبد الوارث، عن أيوب،
(١) هكذا قال القاري (٤/ ٢٠٣)، وظاهره أنه مال إلى استحباب البكاء، والأوجه عندي أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال، فإن الضحك وأمثاله إن كان من قساوة القلب فمذموم، لكنه إن كان من إظهار كمال الرضا بالقضاء فلا بعد في أن يكون أفضل، وفعله - صلى الله عليه وسلم - تعليمًا لتحزن القلب، فإن الحزن القلبي لا يظهر على الناس بدون الظاهر، فيكون أفضل في حقه - صلى الله عليه وسلم - للتعليم، يؤيده قصة أم سليم إذ تزينت لزوجها وتعرضت له حتى وقع بها، وهو أكبر من الضحك، ذكر قصتها العيني (٦/ ١٣٦)، واستدل بها على فضلها، وجواز الأخذ بالشدة وترك الرخص، ويؤيده أيضًا ما حكي عن عائشة - رضي الله عنها -: "أنه - صلى الله عليه وسلم - لا تدمع عينه على أحد"، ويؤيده أيضًا أن فقهاء الحنفية كلهم قالوا: لا بأس بالبكاء، ولفلظ لا بأس يدل على الجواز لا على الاستحباب، وكذا قال في "المصفى": (١/ ٢٠٣): إن البكاء ليس بممنوع، ولم يقل إنه مندوب. (ش).