للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما ذهب إليه الفارابي يُمثلُ مذهبَ البصريين الذين تشددوا في فصاحة العربي الذي تؤخذ عنه اللغة والشعر (١)، وأما الكوفيون فقد توسعوا في الأخذ عن القبائل العربية ذاهبين إلى أَنَّ الإجماعَ قائمٌ على أَنَّ جَميعَ قبائل العرب تتكلمُ العربيةَ، وأَنَّهُ لم يثبت فسادُ ألسنتها بالمخالطة فعلًا، وإِنَّما هو الافتراضُ المَحضُ، وعليه فيجب الأخذُ عنهم جميعًا دونَ الاقتصار على بعضها (٢)، وما ذهب إليه الكوفيون هو ما سار عليه المفسرون جميعًا في كتبهم، وأصحاب معاني القرآن والغريب، فقد استشهدوا بشعر جميع الشعراء الذين ينتمون إلى عصر الاحتجاج دون تفريق بين قبيلة وقبيلة.

والظاهر أن سبب هذا التحديد للقبائل، والحرص على النص عليها يعود إلى خشية اللغويين الأوائل من تعرض اللغة العربية إلى الانحراف والابتعاد عن خصائصها إِبَّانَ نزول القرآن الكريم، مِمَّا قد يؤدي إلى ظهورِ لغةٍ ثانيةٍ مُختلفةِ الخصائص (٣).

وما ذكرهُ الفارابي نظرة فلسفية لم يعضدها واقع الاحتجاج؛ فإن العلماء الذين حفظت أقوالهم ومؤلفاتهم منذ الخليل بن أحمد وسيبويه وحتى اليوم يستشهدون بأشعار كل القبائل العربية التي ذهب الفارابي إلى أَنَّهُ لم يؤخذ عنها، وقد أحصى الدكتور خالد عبد الكريم جُمعة القبائلَ التي استشهدَ سيبويه بشعر شعراءِها فوجدَها ستًا وعشرين قبيلةً، ومنها القبائل التي نصَّ الفارابي على عدم الاحتجاج بشعرها (٤).

ولم تَخرجْ كتبُ التفسيرِ في ذلك عن كتب اللغة والنحو، فلم يلتزم المفسرون بالأخذ عن قبائلَ بعينها، وإِنَّما أخذوا عن كلِّ القبائل التي


(١) انظر: الشواهد والاستشهاد لعبد الجبار النايلة ١٥٤.
(٢) انظر: مدرسة الكوفة لمهدي المخزومي ٣٧٦ وما بعدها.
(٣) انظر: شواهد الشعر في كتاب سيبويه لخالد جمعة ٢٧٢.
(٤) انظر: شواهد الشعر في كتاب سيبويه ٢٧٣ - ٣٠٣.

<<  <   >  >>