للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتراجم ما يُمْكِنُ أَن يُسمَّى بضوابط وقواعد في عملية الاستشهاد بالشعر على مسائل اللغة والنحو (١)، وأما مسائل المعاني والبلاغة فقد أطلقوها من القيود الزمانيةِ والمكانيَّةِ، فأَباحوا الاستشهادَ عليها بشعر القُدامى والمُحدَثِيْن على حَدٍّ سواء، بل إِنَّ كتب البلاغة قد أكثرت من الاستشهاد بشعر المُحدَثين وأقلَّت من الاستشهاد بشعر القدماء الذين ينتمون إلى الطبقات الثلاث الأولى؛ وقد اقتصر بعضهم على شعر أبي تَمَّام، والبحتري، والمتنبي (٢).

وقال ابن جني بعد استشهاده ببيت للمتنبي: «ولا تستنكر ذكر هذا الرجل - وإن كان مُولَّدًا - في أثناء ما نحن عليه من هذا الموضع وغموضه، ولطف متسربه؛ فإن المعاني يتناهبها المولدون كما يتناهبها المتقدمون، وقد كان أبو العباس (٣) - وهو الكثير التعقب لجِلَّةِ الناس - احتجَّ بشيءٍ من شعر حبيب بن أوسٍ الطائي في كتابهِ الاشتقاق، لَمَّا كان غرضه فيه معناهُ، دون لفظه» (٤).

وهذا المعيارُ القَبَليُّ لم يكن لهُ أَثَرٌ في عملية الاستشهادِ بالشواهد الشعرية في كتب التفسير، بل استشهد المفسرون بشعرِ كافة الشعراءِ من جَميع القبائل العربية التي حُفِظَتْ أشعارُها، وترجعُ كثرة الأخذ عن بعض القبائل، وقلة الأخذ عن أخرى إلى القدر الذي حُفِظَ من أشعارها، ورواه الرواةُ الثقات، وليس لعدم صحة الأخذ عن هذه القبيلة أو تلك. وإن كان هناك قبائل كثر الأخذ عنها لوفرة شعرها، وقبائل قل الأخذ عنها لقلة شعرها، وسيأتي تفصيل ذلك (٥).


(١) انظر: أبحاث في اللغة للدكتور محمد علي سلطاني ٦٥.
(٢) انظر: المثل السائر ١/ ٢.
(٣) يريد المُبَرِّد محمد بن يزيد، الإمام في النحو واللغة والأخبار، توفي سنة ٢٨٥ هـ.
(٤) الخصائص ١/ ٢٤.
(٥) انظر: مدى اعتماد المفسرين على الشاهد الشعري ص ٣٩٧.

<<  <   >  >>