للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: «فلا ينبغي أن يذهب إنسان له علم وتحصيل إلى أن سيبويه غلط في الإنشاد، وإن وقع شيء مما استشهد به في الدواوين على خلاف ما ذكر، فإنما ذلك سمع إنشاده ممن يستشهد بقوله على وجه، فأنشد ما سمع؛ لأَنَّ الذي رواه قولهُ حجةٌ، فصار بِمَنْزِلةِ شعرٍ يُروى على وجهين» (١). ويقف السيرافي عند استشهاد سيبويه (٢) بقول العجاج:

فقدْ رأَى الرَّاؤونَ غَيْرَ البُطَّلِ ... أَنَّكَ يا مُعَاوِ يَا ابنَ الأَفْضَلِ (٣)

فيقول: «هكذا وقع الإنشاد في الكتاب، وفي شعره:

فقدْ رأَى الرَّاؤونَ غَيْرَ البُطَّلِ ... أَنَّكَ يا يزيدُ يَا ابنَ الأَنْحَلِ

إِذْ زُلْزِلَ الأَقدامُ لم تزلزلِ (٤)

فهذا الذي رأيتُهُ في ديوانه، وليس هذا بمفسد لحجة سيبويه؛ لأنه لم ينقل الشواهد من الدواوين، إنما سمعها، والعرب بعضهم ينشد شعر بعض، فإذا غيَّرَ هذا عربيٌّ يحتج بقوله صار كأنه هو القائل، وليس يجوز أن يفعل مثل هذا رجل عالم؛ لأن سيبويه قد لقي مَنْ قوله حجة، ولم يأخذ من الصحف، فإذا سمع من يجوز أن يكون عنده حجة في كلامه نقل عنه، وإن لم يره أهلًا لذلك تركه ... » (٥).

وقد جاء البغدادي فشرح شواهدَ الرضي على الكافية في كتابه «خزانة الأدب» وكتابه «شرح أبيات المغني لابن هشام»، فتتبع رواية الشاهد عند النحويين، وما يترتب على تعدد روايته من مناقشات ومشاحنات، ورمي بالتغليط والصنعة والوضع. وكان يقف على الكثير من تلك الروايات مبينًا الرواية التي يستقيم للعلماء من النحويين والمفسرين


(١) شرح أبيات سيبويه ١/ ٣٠٤.
(٢) انظر: الكتاب ٢/ ٢٥٠.
(٣) ديوانه ١٥٨.
(٤) رواية الديوان: «يا ابن الأفحل» و «الأقوام». انظر: ديوانه ١٨٦.
(٥) شرح أبيات سيبويه ١/ ٤٥٧ - ٤٥٩، وانظر: ٢/ ٩٦.

<<  <   >  >>