للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

درايةٍ ومعرفةٍ بِما قالهُ العلماء فيها من أهل الدراية الكاملة، والثقة التامة، ولو لم تكن مقبولةً عندهم لما رووها وأثبتوها في كتبهم، «والشاهد الذي جُهِلَ قائلهُ إِنْ أنشده ثقةٌ كسيبويه وابن السرَّاجِ والمُبَرِّدِ ... ونحوهم فهو مقبولٌ يُعتمدُ عليه، ولا يَضرُّ جَهلُ قائلهِ، فإِنَّ الثقةَ لو لم يعلم أَنَّهُ من شعرِ مَنْ يصحُّ الاستدلالُ بكلامه لَمَا أَنشده» (١).

وجهالةُ عينِ قائلِ الشاهدِ لا تضرُّ في الاستشهاد إذا صحتْ نسبتهُ لزمنِ الاحتجاج، وإِنَّما تؤثرُ جهالةُ الحالِ، فلو جاء شعرٌ لجاهلي ولم يُعرف اسمهُ وصحَّ النقلُ فإِنَّهُ يُحتجُّ به، ولو جاء شعرُ مولدٍ معروفُ القائل لرُدَّ ولم يُحتجَّ به؛ إِذ العلةُ في ردِّ الشاهدِ المَجهولِ في اللغة هو الخوفُ من أن يكون لِمَنْ لا يُوثَقُ بفصاحته، كما صرَّح بذلك السيوطي (٢)، والبغدادي (٣). وعلى هذا فإن نسبة الشعر إلى قائله، أو معرفة الشاعر، ليست قضيةً تستحقُّ كلَّ هذا الاهتمام، فالمهمُّ هو صحة نسبة الشعر إلى من يُحتجُّ بشعره زمانًا ومكانًا، وثبوت روايته عن الثقات الأثبات. أَمَّا تعيينُ القائل، أو الاتفاق عليه، أو التوسع في إيراد أقوال السابقين في نسبته، والفخر بالوصول إلى نسبة بيتٍ أو أبيات فهو في غيرِ مكانه، وهو عَمَلٌ على هامشِ تَقعيدِ العربيةِ، إذ يكفي في النحوِ صحةُ الاحتجاج بالبيت. وخاصةً إذا كان أولئك العلماء من أهل البَصَرِ والمعرفةِ التامَّةِ بالشعرِ، كما قال ابنُ سلَّام: «وليس يُشكِلُ على أَهلِ العلم زيادةُ الرواةِ، ولا ما وضعوا، ولا ما وَضَعَ المولَّدون. إِنَّما عَضَّلَ بِهم أَنْ يقولَ الرجلُ من أهلِ الباديةِ مِن وَلَدِ الشعراءِ، أو الرجلُ ليسَ من ولدِهِم، فيُشكلُ ذلك بعضَ الإشكال» (٤).


(١) خزانة الأدب ٩/ ٣١٧.
(٢) انظر: الاقتراح ٥٥، والإصباح في شرح الاقتراح ١٢٣.
(٣) انظر: خزانة الأدب ١/ ١٥.
(٤) طبقات فحول الشعراء ١/ ٤٠.

<<  <   >  >>