للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد قَسَّمَ الدارسون الرواية من حيثُ مراحلُها التاريخيةُ إلى مرحلتين:

المرحلة الأولى: مرحلة رواية الشعر خاصة. وذلك بحفظه ونقله وإنشاده، ولا تتجاوز ذلك إلى ضبطه وتحقيقه والنظر فيه وتمحيصه. وقد استمر مدلول هذه المرحلة حتى آخر القرن الأول، وبداية القرن الثاني.

قال محمد بن المنكدر التيمي المدني (١) المتوفى سنة ١٣٠ هـ: «ما كنا ندعو الرواية إلا روايةَ الشِّعرِ، وما كنا نقولُ هذا يروي أحاديثَ الحكمةِ إِلَّا عَالِم» (٢).

وكان الغرض من هذه الرواية هو المتعة، وحفظ أمجاد القبيلة، مما كانت تحرص عليه العرب، وقد أثبتت الدراسات الحديثة «أن الجاهلية العربية عرفت الكتابة معرفةً قديمةً واسعةً، واستخدمتها في جُلِّ شُؤونها، وكتبت بعضَ شَعرِهَا وأَخبارِها وأنسابها ودونتها في صحف وكتب ودواوين، فالقول إذن بأمية الجاهلية فرض واهم يجب أن نسقط جميع ما ترتب عليه من نتائج باطلة» (٣). غير أن الرواية الشفوية للشعر كانت منتشرة، فقد كان لكل شاعر جاهلي كبير على وجه التقريب راوية يصحبه، ويروي عنه أشعاره، وينشرها بين الناس.

المرحلة الثانية: مرحلة الرواية العلمية. وهي المرحلة التي بدأ فيها رواة الحديث يتصدرون للتحديث، فصار للمحدثين رواة، كما كان للشعر رواة، وأصبحت الرواية الشعرية في هذه المرحلة تقوم على الحفظ والنقل والإسناد، مع العناية بالضبط


(١) هو محمد بن المنكدر التيمي، من فضلاء التابعين، ثقة حافظ انظر: الكاشف للذهبي ٢/ ٢٢٤.
(٢) جامع بيان العلم وفضله ٢/ ٤٧.
(٣) مصادر الشعر الجاهلي ١٧١.

<<  <   >  >>