للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإتقان، والتحقيق والتمحيص للمرويات، والحرص على الشرح والتفسير (١). وقد بدأت هذه الرواية متأخرةً عن الأولى، حيث بدأت مع بداية القرن الثاني الهجري، حيث كان يبحث الراوي عن الأعرابي الفصيح ليسمع منه لغة قومه؛ لاستخراج القواعد والقوانين التي تضبط اللغة، وتصون اللسان عن الخطأ والزلل. وقد بذل الرواة وسعهم في البحث عن العرب الفصحاء، تلقفوهم في الحواضر الإسلامية، وبحثوا عنهم داخل أخبيتهم في الصحراء، وخلف ماشيتهم في العراء، وكانوا يطيرون فرحًا بكلمة يسمعونها من نبعها الصافي، لا يشوبها كدر، وقد كان يدفعهم إلى ذلك حرصهم على لغة كتابهم الكريم، وعصبيتهم للغة العرب، ولا سيما أن الدولة الأموية التي بدأت في عهدها الرواية كانت شديدة التعصب للعرب، وللغة القرآن (٢). وقد كان الخلفاء الأمويون يستقدمون المؤدبين لأولادهم، فيروونهم شعر العرب، لتستقيم ألسنتهم، وتسلم من داء اللحن والعجمة، وربما أرسلوا أبناءهم إلى البادية ليسمعوا اللغة من مصدرها، مما دفع الرواة إلى الحرص على حفظ الشعر واللغة لنيل الحظوة عند أولئك الخلفاء.

ومِمَّا ينبغي ذكره هنا أن رواية اللغة روايةً علميةً نشأت أول ما نشأت على أيدي القراء والمفسرين، فكان القارئ أو المفسِّر إذا أشكل عليه لفظٌ أو معنى، استعان على إيضاح ذلك ببيت من الشعر، فهذا ابن عباس (٦٨ هـ) كان يُسألُ عن أشياء من القرآن، فيجيب ويستشهد بالشعر على ذلك (٣). وكانت رسل بني أمية تأتي قتادة كلَّ يومٍ من الشام إلى البصرة يسألونهُ عن معنى بيتٍ من الشِّعرِ، فيُفَسِّرَهُ لهم (٤). وهذا أبو


(١) انظر: مصادر الشعر الجاهلي ١٨٩.
(٢) انظر: العصبية القبلية وأثرها في الشعر الأموي ٢٥٣ - ٢٦٩.
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن ١/ ٢٤.
(٤) انظر: إنباه الرواة ٣/ ٣٧.

<<  <   >  >>