للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جُؤَيَّةَ الهذلي (١)» (٢).

وقد اتسعت رواية أبي عبيدة للشعر حتى استوعب الشعر العربي المروي أو كاد، وأصبح مصدرًا من مصادر الشعر عند العلماء، فروى طرائف الشعر وغرائبه (٣)، وروى شعر المغمورين واللصوص (٤)، إلى جانب مألوف الشعر ومعروفه وشوارده (٥).

وبلغ من استقصائه لرواية الشعر، أنه أصبح يطلق أحكامًا واثقة على الشعر تدل على تبحره في معرفته وحفظه، كقوله في تفسير التَّفَثْ: «ولم يجئ فيه شعرٌ يُحتَجُّ به» (٦). وهذا الحرص على الاستيعاب لرواية الشعر عنده تفسر لنا روايته لقصائد لم يعرفها الأصمعي (٧)، ولم يروها شيخه أبو عمرو بن العلاء (٨)، وروايته لدواوين شعراء توزعتهم أهواء الأمصار المختلفة، وقد كان يحرص على الإحاطة بالشعر النادر الطريف، والمصون الغريب؛ إذ يرى أن الشائع المبذول قريب متيسر لا يجدي إتعاب النفس في حفظه وروايته (٩). وقد أثرت هذه الرواية الواسعة في تفسيره للقرآن الكريم، فقد سلك في كتابه المجاز مسلكًا لغويًا في التفسير، وهو يعد أول كتاب في التفسير اللغوي، وقد أكثر فيه من الاستشهاد بالشواهد الشعرية على التفسير حيث بلغت شواهده (٩٥٢) شاهدًا، ولعل سبقه لهذا المنهج يفسرُ ما قام حول تأليفه كتابه «مجاز القرآن» من ضجة في زمنه، حيث يقول تلميذه أبو عمر الجرمي: «أتيت أبا عبيدة بشيء منه - أي كتاب المَجاز - فقلت له: عمن أخذت هذا يا


(١) هو ساعدة بن جُؤيَّةَ الهذلي، شاعر مخضرم من بني خثيم بن عمرو بن سعد بن هذيل. انظر: ديوان الهذليين ٣/ ١٠٥، شرح أشعار الهذليين ٣٣٣ - ٣٤٢، ١٣١٧.
(٢) مجاز القرآن ١/ ٢٩.
(٣) انظر: الموشح ١٩.
(٤) انظر: البيان والتبيين ٤/ ٦٢.
(٥) انظر: الحيوان ٣/ ٤٧٧.
(٦) مجاز القرآن ٢/ ٧٣.
(٧) انظر: ديوان زهير ٣٠٥، ٣٠٨.
(٨) انظر: ديوان زهير ٣٦٨.
(٩) انظر: جمهرة أشعار العرب ٣٧.

<<  <   >  >>