للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وألفاظ القرآن الكريم ليست على درجة واحدة من حيث وضوح المعنى، قال أبو حيان: «لغاتُ القرآن العزيز على قسمين: قسمٍ يكادُ يشترك في فَهْمِ معناهُ عامَّةُ المستعربة وخاصتهم، كمدلول السماء والأرض، وفوق وتحت. وقسمٍ يَختصُّ بمعرفته مَنْ له اطلاعٌ وتبحرٌ في اللغة العربية، وهو الذي صنَّفَ أكثرُ الناس فيه، وسَمَّوهُ غريبَ القرآن» (١).

ولهذا بدأ التأليف في الغريب في وقت مبكر لكون الحاجة إليه جاءت مبكرة أيضًا، فقد نُسب كتابٌ في غريب القرآن إلى عبدالله بن عباس رضي الله عنهما (٢)، وقام السيوطي بجمع أقوال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير مفردات القرآن مما روي من طريق علي بن أبي طلحة (ت ١٢٠ هـ) في فصل مفرد (٣). ولا شك أن مرويات ابن عباس رضي الله عنهما في التفسير هي التي مهدت للتدوين في علم غريب القرآن في وقت مبكر، وهيأت المادة الأولى لكل من ألف فيه فيما بعد، ثم توالى التصنيف فيه بعد ذلك، فكتب فيه أبان بن تغلب البكري (ت ١٤١ هـ) كتابه «غريب القرآن»، وكتب فيه محمد بن السائب الكلبي (ت ١٤٦ هـ)، وكتب فيه أبو روق عطية بن الحارث الهمداني. وكل هؤلاء الثلاثة من طبقةٍ واحدةٍ، حيث يقول ياقوت في ترجَمة أبانِ: «صنَّفَ كتابَ «الغريب في القرآن»، وذكر شواهدَهُ من الشعر، فجاء فيما بعدُ عبدُالرحمن بنُ مُحمد الأزدي الكوفي، فجَمَعَ من كتاب أبان ومحمد بن السائب وأبي روق عطية بن الحارث، فجعله كتابًا فيما اختلفوا فيه وما اتفقوا عليه، فتارةً يَجيءُ كتابُ أبان مفردًا، وتارة يَجيءُ مشتركًا على ما عَمِلَهُ عبدُ الرحمن» (٤).


(١) تحفة الأريب ٢٧.
(٢) ذكر فؤاد سزكين أن كتابًا لابن عباس بتهذيب عطاء بن أبي رباح يوجد مخطوطًا في مكتبة عاطف أفندي بعنوان غريب القرآن. انظر: تاريخ التراث العربي ١/ ٦٧.
(٣) انظر: الإتقان في علوم القرآن ٢/ ٦ - ٥٤.
(٤) معجم الأدباء ١/ ٣٨.

<<  <   >  >>