للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويُعدُّ الشاهد الشعري جزءًا من التفسير اللغوي للقرآن الكريم، وقد وضح ابن عباس رضي الله عنهما العلاقة بين المعنى اللغوي لألفاظ القرآن الكريم والشعر العربي، فقال: «إذا أعيتكم العربية في القرآن فالتمسوها في الشعر فإنه ديوان العرب» (١). وقوله كذلك: «إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب» (٢). وقد سبقه إلى ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما سأل عن معنى التخوف في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٤٧)} [النحل: ٤٧] (٣) فقام رجل من هذيل، فقال: هذه لغتُنَا، التَّخَوُّفُ: التَّنَقُصُ، فقال عمر: هل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال: نعم، قال شاعرنا يصف ناقته:

تَخَوَّفَ الرَّحْلُ منها تَامِكًا قَرِدًا ... كَمَا تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفِنُ (٤)

فقال عمر: «عليكم بديوانِكم لا تَضِلُّوا. قالوا: وما دِيوانُنا؟ قال: شعرُ الجاهليَّةِ؛ فإِنَّ فيهِ تفسيرُ كتابِكُم، ومَعاني كلامِكُم» (٥). غير أن ابن عباس قد أكثر من الاستشهاد بالشعر في التفسير، مما جعل هذا المنهج ينسب إليه كأَوَّلِ مَن فتح هذا الباب، ونهجه للمفسرين من بعده (٦)، فقد تابعه على هذا المنهج من أخذ عنه من التابعين، ثم من بعدهم حتى حُفظَ هذا المنهجُ وتطبيقُهُ في أوائل كتب التفسير، ولغة القرآن مثل «مجاز


(١) إيضاح الوقف والابتداء ١/ ١٠١.
(٢) المصدر السابق ١/ ٦٢، ومجالس ثعلب ٣١٧.
(٣) النحل ٤٧.
(٤) سبق تخريجه ص ٥٨. وانظر: شرح التبريزي للمفضليات ٣/ ١٢٥٦.
(٥) قال المناوي في الفتح السماوي ٢/ ٧٥٥: لم أقف عليه، وقال ابن حجر في فتح الباري ٨/ ٣٦٨: وروي بإسناد فيه مجهول عن عمر، أنه سأل عن ذلك، فلم يجب، فقال عمر: ما أرى إلا أنه على ما ينتقصون من معاصي الله. قال: فخرج فلقي أعرابيًا، فقال: ما فعل فلان؟ قال: تخوفته - أي: تنقصته. فرجع، فأخبر عمر، فأعجبه». ثم قال: «وفي شعر أبي كبير الهذلي ما يشهد له».وهو يعني الشاهد الشعري المتقدم. وورد نحوه عن ابن عباس في المستدرك عند الحاكم ٢/ ٤٩٩، وعند البيهقي في الأسماء والصفات ٣٤٥.
(٦) سيأتي تفصيل ذلك في الفصل التالي ص ٢٢٤.

<<  <   >  >>