للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث على ظاهره، وامتنع من أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده، ولو صحبتها الشواهد، ولم يعارض شواهدها نص صريح. وهذا عدول عمَّا تُعبدنا بمعرفته من النظر في القرآن واستنباط الأحكام منه، كما قال تعالى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣] (١)» (٢). بل إن في عمل المفسرين من الصحابة والتابعين وأتباعهم ما يدل على أن الأخذ بلغة العرب في التفسير يشبه أن يكون إجماعًا عندهم، وقد حُكِيَ هذا الإجماعُ عنهم (٣).

وإذا عُلِمَ «أن ما تكلمت به العرب من جيد المنثور أكثر مما تكلمت به من جيد الموزون، فلم يُحفظْ من المنثور عُشرُهُ، ولا ضاع من الموزون عُشرُهُ» (٤) فإنَّ أكثر ما حُفظ من كلام العرب قبل الإسلام هو الشعر لا النثر، وذلك «أن العرب الذين هم أصل الفصاحة كانَ جُلُّ كلامهم شعرًا، ولا نجد الكلام المنثور في كلامهم إلا يسيرًا، ولو كثر فإنه لم ينقل عنهم، بل المنقول عنهم هو الشعر ... والكلام المنثور بالنسبة إليه قطرة من بحر» (٥) وتحقيق ما أُمِرَ به المسلمُ من تدبر القرآن الكريم، يحوج إلى دراسة اللغة العربية، بناءً على أَنَّ مَا لا يتمُّ الواجب إِلَّا بهِ فهو واجبٌ، وحيث إِنَّ الشعرَ يأتي في الذروة مما حفظ من لغة العرب فلزم العناية به، وخاصة ما نقله العلماء من الشواهد الشعرية، التي تعد صفوة ما يمكن أن ينتقى للاستشهاد والاحتجاج. ويمكن إبراز صلة الشاهد الشعري بالتفسير اللغوي للقرآن الكريم من خلال الأوجه التالية:


(١) النساء ٨٣
(٢) البرهان في علوم القرآن ٢/ ٣٠٤.
(٣) انظر: المباني في نظم المعاني بتحقيق آرثر جفري ٢٠
(٤) من كلام لعبدالصمد بن الفضل الرقاشي، أورده الجاحظ في البيان والتبيين ١/ ٢٨٧، العمدة في صناعة الشعر ونقده ١/ ١٠
(٥) المثل السائر ٣/ ٢٢١.

<<  <   >  >>