للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا: الصفة المميزة لكتاب أبي عبيدة اعتمادُهُ الدليلَ اللغوي أصلًا ثابتًا ورئيسًا في التفسير، ولعله تأثر في ذلك بشيخه أبي عمرو بن العلاء، الذي اقتبس منه هذه الطريقة في تفسير القرآن الكريم، والاستشهاد على ذلك بشعر العرب (١). حيث كان الشعر بعد القرآن من أهم ما تلقى أبو عبيدة عن أبي عمرو (٢).

ثالثًا: أغفل أبو عبيدة أصولًا تفسيرية أخرى كان الإجماع منعقدًا عليها عند المفسرين من قبل، كالعناية بتفسير السلف؛ مما جعل تفسيره تفسيرًا لغويًا محضًا، وقد اعتبر هذا المسلك خروجًا على ما كان عليه علماء اللغة والتفسير الذين كانوا يتحرجون أشد الحرج ويلتزمون بآثار السلف. وقد تعقبه الطبري في كثير من المواضع التي فسر فيها القرآن الكريم، ووصفه بأنه «مِمن ضعفت معرفته بتأويل أهل التأويل، وقلت روايته لأقوال السلف من أهل التفسير» (٣). مشيرًا بذلك إلى اكتفاء أبي عبيدة باللغة في التفسير، دون غيرها من المصادر.

وقد تَحرَّجَ كثيرٌ من السلف من تفسير القرآن الكريم خوفًا من الدخول في الوعيد الذي ثبت في ذلك في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» (٤). غير أن كثيرًا من العلماء نبه إلى أن التفسير بما ثبت في لغة العرب إذا لم يرد في الآية تفسير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابة ليس من التفسير بالرأي المذموم، وإنما هو تفسيرٌ بِعِلْمٍ؛ فإن القرآن نزل {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)} [الشعراء: ١٩٥] (٥)، ولذلك قال الماوردي نافيًا أن يكون التفسير باللغة من التفسير بالرأي المذموم وذلك تعليقًا على الحديث السابق: «قد حَمَلَ بعضُ المتورعة هذا


(١) انظر: مجالس العلماء ٣٣٣، مجاز القرآن ١/ ١٥٢، ٢٨٧، ٣٥٢.
(٢) انظر: أخبار النحويين البصريين ٢٢.
(٣) تفسير الطبري (شاكر) ١/ ٤٤ - ٤٥.
(٤) أخرجه أبو داود في السنن، كتاب العلم ٤/ ٦٣، والترمذي في السنن، كتاب تفسير القرآن ٤/ ٢٦٨.
(٥) الشعراء ١٩٥.

<<  <   >  >>