للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والبَطْنُ ذُو عُكَنٍ خَمِيصٌ لَيّنٌ ... والنَّحْرُ تَنْفُجُهُ بثَدْيٍ مُقْعَدِ (١)

فمعلومٌ أنه لم يرد صفتها بقوله: «خميصٌ» بالهُزالِ والضر من الجوع، ولكنه أراد وصفها بلطافة طي ما على الأوراك والأفخاذ من جسدها؛ لأن ذلك مما يحمد من النساء. ولكن الذي في معنى الوصف بالاضطمار والهزال من الضر من ذلك قول أعشى بني ثعلبة:

تَبِيتُونَ في المَشْتَى مِلاءً بُطُونُكُمْ ... وَجَارَاتُكُمْ غَرْثَى يَبِتْنَ خَمَائِصَا (٢)

يعني بذلك: يَبِتْنَ مُضطمراتِ البطون من الجوع والسَّغَبِ والضُّرِّ، فمن هذا المعنى قوله: في مَخْمَصةٍ» (٣).

وهذا الاستقصاء الدقيق لمعاني المخمصة في الشعر العربي، والمعنى المناسب منها لدلالة اللفظة في الآية الكريمة عليه حُسْنُ بَصَرٍ من الطبري رحمه الله بالتفسير والشعر معًا، بل إن شرحه لبيت النابغة أوفى من شرح شارح الديوان (٤).

بواعث الاستشهاد:

- قد يكون الباعث على الاستشهاد هو غموض دلالة اللفظة، كما فعل أبو عبيدة في تفسير الطلح في قوله تعالى: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩)} [الواقعة: ٢٩] (٥)، حيث قال: «زعم المفسرونَ أَنَّهُ الموزُ، وأَمَّا العربُ فالطلحُ عندهم شَجَرٌ عظيمٌ، كثيرُ الشوك، وقال الحادي: (٦)

بَشَّرَهَا دَليلُها وقَالا ... غَدًا تَرَيْنَ الطلحَ والحِبَالا (٧)» (٨).

فأبو عبيدة ذكر قول المفسرين أولًا في المراد بالطلح وأنه الموز، ولكنه ذكر معنى آخر للطلح عند العرب وهو نوعٌ من الشجر، وقد استند


(١) انظر: ديوانه ٦٦.
(٢) انظر: ديوانه ١٠٩.
(٣) تفسير الطبري (شاكر) ٩/ ٥٣٢ - ٥٣٣.
(٤) انظر: ديوان النابغة الذبياني ٩٢.
(٥) الواقعة ٢٩.
(٦) هو النابغة الجعدي كما في تفسير القرطبي ١٧/ ١٣٥.
(٧) ليس في ديوانه.
(٨) مجاز القرآن ٢/ ٢٥٠.

<<  <   >  >>