للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لو أسقط منه إذا بطل معنى الكلام؛ لأن معناه: حتى إذا أسلكوهم في قتائدة سلكوا شلاًّ. فدل قوله: «أسلكوهم شلًّا» على معنى المحذوف، فاستغنى عن ذكره بدلالة (إذا) عليه فحذف، كما قد ذكرنا فيما مضى من كتابنا على ما تفعل العرب في نظائر ذلك، وكما قال النمر بن تولب:

فإِنَّ المنيَّةَ مَنْ يَخْشَهَا ... فَسوفَ تُصَادفهُ أَيْنَمَا (١)

وهو يريد: أينما ذهب ... الخ» (٢).

وفي المثال السابق ما يدل على ما قد يقع من الخطأ في الاستشهاد بالشاهد الشعري، فأبو عبيدة قد استشهد بشواهد على «إذا»، في موضع كان ينبغي له أن يورد فيه شواهد على «إِذْ»، ولذلك تعقبه الطبري.

ومن أمثلة ذلك ما ذكره القرطبي حيث يقول: «قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ} [النساء: ٨٣] (٣) في «إذا» معنى الشرط، ولا يجازى بها وإن زيدت عليها «ما» وهي قليلة الاستعمال. قال سيبويه: والجيِّدُ ما قال كعب بن زهير:

وإذا مَا تشاءُ تبعثُ منها ... مغربَ الشمسِ نَاشِطًا مَذعُورا (٤)

يعني أن الجيد لا يجزم بإذا «ما» كما لم يجزم في هذا البيت» (٥). فهو هنا قد اتخذ من الشاهد الشعري دليلًا على ما ذهب إليه من استحسان عدم الجزم بـ «إذا» كأسلوب من أساليب العربية، وأن الجيد هو رفع ما بعد إذا على ما يجب فيها، وهو أجود من الجزم بها (٦). وهذا استدلال بالشاهد الشعري على الأسلوب اللغوي الجيد.


(١) البيت في الصناعتين ١٨٣، وخزانة الأدب ١١/ ١٠١.
(٢) تفسير الطبري (شاكر) ١/ ٤٣٩ - ٤٤٢.
(٣) النساء ٨٣.
(٤) انظر: ديوانه ٣٣.
(٥) الجامع لأحكام القرآن ٣/ ١٨٨، ١/ ١٤١.
(٦) انظر: الكتاب لسيبويه ٣/ ٦٢.

<<  <   >  >>