للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقرأ أُبَيُّ بن كعب، وزيدُ بن علي، وعبدالله بن مسعود {أَوْ يُسْلِمُوا} بحذف النون، وهو منصوب بتقدير (أن) في قول الجمهور من البصريين على تقدير: إِلَّا أَن يُسْلِموا. وعند الكسائي والجرمي على تقدير: (حتى يسلموا) (١).

ويقول القرطبي: «وقرأ طلحة بن سليمان: {يُدركُكُمُ} برفع الكاف على إضمار الفاء، وهو قليل لم يأت إلا في الشعر نحو قوله:

مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ اللهُ يَشكرُهُا (٢)

أراد: فالله يشكرها» (٣). وهو هنا يشير إلى قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: ٧٨] (٤) وقد رَدَّ ابنُ مُجاهد هذه القراءة في العربية، وحكم عليها أبو حيان بالضعف (٥). غير أن ابن جني لم يرتض ذلك وقال: «وهو لعمري ضعيف في العربية، وبابه الشعر والضرورة، إلا أنه ليس بمردود؛ لأنه قد جاء عنهم، ولو قال [أي ابن مجاهد]: مردود في القرآن لكان أصح معنى، وذلك أنه على حذف الفاء، كأنه قال: فيدرككم الموت ... » (٦).

وقد ظهر اهتمام المفسرين بالشعر في فهم الدلالة اللغوية للألفاظ القرآنية مبكرًا منذ بدء التفسير، فقد كان المفسرون من علماء اللغة الذين يحرصون على حفظ الشعر، وقراءة الدواوين ودراستها، حتى ذكر الواحدي أنه درس اللغة ودواوين الشعراء على شيخه العروضي ثم قال: «وقرأت عليه الكثير من الدواوين، وكتب اللغة، حتى عاتبني شيخي - رحمه الله - يومًا من الأيام، وقال: إنك لم تبق ديوانًا من الشعر إلا قضيت


(١) انظر: معاني القرآن للفراء ٢/ ٧١، معاني القرآن للزجاج ٥/ ٢٤، إعراب القرآن للنحاس ٣/ ١٩١، الكشاف ٣/ ١٣٨، البيان للأنباري ٢/ ٣٧٧، مغني اللبيب ٦٢٤.
(٢) تقدم تخريجه ص ٠٠٠.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ٣/ ١٨٢.
(٤) النساء ٧٨.
(٥) البحر المحيط ٣/ ٢٩٩.
(٦) المحتسب ١/ ١٩٣.

<<  <   >  >>