حقيقة تاريخية واقعة لا شك فيها؛ لأنه «مُحالٌ أن يفجأ الله عباده من عَربِ الجاهلية بهذا التبيُّنِ الذي طالبهم به، وهم خِلْوٌ من القدرة عليه، فكان لزامًا أن تكون لهم قدرة يعلمها سبحانه فيهم، وإن جهلوها هم من أنفسهم من قبل أن يطالبوا بهذا التبين، وإلا يكن ذلك كذلك، كانت المطالبة تعجيزًا محضًا لعباده، يسقط منهم التكليف الذي تقتضيه هذه المطالبة»(١).
وقد تعرض هذا الشعر في العصور المتأخرة إلى الطعن في صحته من قبل عدد من الباحثين من المستشرقين والعرب، ونظرًا لما لهذا الطعن من خطر على ما يرتبط بهذا الشعر من الاستشهاد به في تفسير القرآن الكريم، كان من الضروري التعرض لهذه المسألة بشيء من الاقتضاب الذي يعطي صورة واضحة للمسألة، وذلك في النقاط التالية:
أقسام الشعر الجاهلي من حيث الصحة:
الشعر الجاهلي كغيره من جوانب تاريخ الجاهلية كان يعتمد الرواة في نقله على الحافظة، والرواية الشفوية في معظمه، وقد اعتراه ما اعترى غيره من المسموعات من اختلافٍ في الرواية، أو تزيُّدٍ فيها أو في بعضها، وربَّمَا تعرَّضَ للوضعِ والاختلاق، ولذلك يُمكنُ تقسيم الشعر الجاهلي من حيث الصحة ثلاثة أقسام:
الأول: شعر صحيح لا سبيل إلى الشك فيه، وهو الذي أجمع العلماء الثقات على صحته، وفقًا لخبرتهم بهذا الشعر، وكانوا كثيرًا ما يعتمدون على حسهم الشعري النقدي، الذي اكتسبوه بعد معاناة شاقة في جمع تلك المادة ودراستها، التي أثمرت معرفة واسعة في تمييز صحيح الشعر من منحوله، ومن ذلك أنَّ حمادًا