للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الراوية أنشد بلال بن أبي بردة شعرًا مدحه به، فقال بلال لذي الرمة: كيف ترى هذا الشعر؟ قال ذو الرمة: جيد، وليس له! قال بلال: فمن يقوله؟ قال: لا أدري، إلا أنه لم يقله، فلما قضى بلال حوائج حماد، قال له: أنت قلت هذا الشعر؟ قال: لا، قال: فمن يقوله؟ قال: بعض شعراء الجاهلية، وهو شعر قديم، وما يرويه غيري. قال: فمن أين علم ذو الرمة أن ليس من قولك؟ قال: عرف كلام أهل الجاهلية من كلام أهل الإسلام (١)، ولذلك ذهب ابن سلام إلى أن ما اتفق عليه العلماء فليس لأحد أن يخرج منه (٢).

وما ذاك إلا لقوة تلك الملكة النقدية التي تميز بها العلماء والرواة في زمن الرواية الأول، والتي جعلت خلفًا الأحمر يقول حينما قال له قائل: إذا سمعتُ أنا بالشعر أستحسنه، فما أبالي ما قلت فيه أنت وأصحابك، فقال خلف رادًا عليه: إذا أخذت أنت درهمًا فاستحسنته، فقال لك الصرَّافُ: إنه رديء، فهل ينفعك استحسانك له؟ ‍ (٣).

وهذا القسم يُمثِّلُ جُلَّ المحفوظِ مِن شعر الجاهلية، وهو الذي اعتمد عليه المفسرون واللغويون والنحويون في الاستشهاد والاحتجاج، وقد حُفظ عبر الرواية الصحيحة، واستقر في الدواوين الموثوقة حتى اليوم.

الثاني: شعر منحول مصنوع:

وهو شعر ساقط، لا يعتد به، تعددت أسباب وضعه فمنه ما وضعه القُصَّاص؛ لتحسين قصصهم بالشعر، إذ كانوا على معرفة تامة بمحبة العربي للشعر، وكان الشعر بمثابة الدليل على تأكيد صحة ما يقولون، ولذا وضعوا شعرًا على لسان آدم والأنبياء والعرب البائدة (٤).


(١) انظر: الأغاني ٦/ ٨٨.
(٢) انظر: طبقات فحول الشعراء ١/ ٤.
(٣) طبقات فحول الشعراء ١/ ٧.
(٤) انظر: طبقات فحول الشعراء ١/ ٥.

<<  <   >  >>