للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لفظة الأب «لَعَمْرُ أَبيكَ»، وإضافتها إلى لفظ الجلالة «لَعَمْرُ اللهِ»، وإضافتها إلى الله دون لفظ الجلالة «لَعَمْرُ مَنْ جَعَلَ الشهورَ عَلامةً»، فتعدد الشواهد الشعرية لا يعني التكرار الذي يَخلو من فائدة، بل اشتمل كل شاهد على فائدة ليست في الآخر.

- ومن الأمثلة كذلك قول ابن عطية عند تفسيره قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: ٣٠] (١)، مِنْ أنَّ العرب قد تسْتعِيْرُ البُنُوَّةَ للمُناسبةِ والملازمة بين الأشياء إذا لم يُشْكِلِ ذلك على السامع، وكان أمرُ النَّسْلِ مستحيلًا في حقها: «من ذلك قول عبدالملك بن مروان: «وقد زَبَنَتْنَا الحربُ وَزَبَنَّاهَا، فنحنُ بَنُوهَا وهِيَ أُمُّنَا» (٢)، يريدُ المُلازمةَ، ومن ذلك قول حُرَيثِ بن مُحَفِّض (٣):

بَنُو المَجْدِ لَمْ تَقْعُد بِهِم أُمَّهَاتُهُمْ ... وآباؤُهُم أَبناءُ صِدْقٍ فَأَنْجَبوا (٤)

ومن ذلك «ابنُ نَعْشٍ»، و «ابنُ مَاءِ السَّبيلِ»، ونحو ذلك، ومنه قول الشاعر:

والأَرضُ تَحْمِلُنَا وَكانتْ أُمَّنَا (٥)». (٦)

فقد مزج ابن عطية في استشهاده هنا بين شواهد الشعر، وكلام العرب النثري الذي حفظ عنهم، دون التزام بترتيب مطرد، والبُنُوَّةُ في هذه الشواهد يقصدُ بِها الملازمةُ للحربِ، وللمَجدِ، وللصِّدقِ؛ لأنَّ التناسلَ فيها مستحيل، ولا يشكل على السامع.


(١) التوبة ٣٠.
(٢) جزء من خطبته بعد قتل مصعب بن الزبير ودخول الكوفة. انظر: الأمالي للقالي ١/ ١١.
(٣) هو حُريثُ بن مُحَفِّض التميمي، شاعر إسلامي من شعراء بني أمية. انظر: خزانة الأدب ٦/ ٣٢.
(٤) انظر: خزانة الأدب ٦/ ٣٤.
(٥) شطر من بيت لم أقف عليه.
(٦) المحرر الوجيز ٨/ ١٦٤.

<<  <   >  >>