للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- ومن الأمثلة كذلك على مراعاة المفسرين للسياق عند إيرادهم للشاهد الشعري قول الطبري: «إن العرب قد تسمي اليقينَ ظنًا، والشك ظنًا، نظير تسميتهم الظلمة سُدْفةً، والضياءَ سُدفةً، والمغيثَ صارخًا، والمستغيث صارخًا، وما أشبه ذلك من الأسماء التي تُسَمِّي بها الشيء وضده. ومما يدل على أنه يُسمَّى به اليقينُ، قولُ دُريدِ بن الصِّمَّةِ:

فقلتُ لَهُمْ: ظُنُّوا بِأَلفَي مُدَجَّجٍ ... سَرَاتُهُمُ في الفَارسيِّ المُسَرَّدِ (١)

يعني بذلك: تيقنوا ألفي مدجج تأتيكم. وقول عميرة بن طارق:

بِأَنْ تغتروا قَومِي وأَقْعُدُ فيكمُ ... وأَجْعَلُ مِنِّي الظنَّ غَيبًا مُرَجَّمَا (٢)

يعني: وأجعلُ مِنِّي اليقينَ غَيبًا مُرجَّمَا. والشواهد من أشعارِ العرب وكلامها على أَنَّ الظنَّ في معنى اليقينِ أكثرُ مِن أن تُحصى، وفيما ذكرنا لِمَن وُفِّقَ لفهمهِ كفايةٌ» (٣).

ثم أحال في موضعٍ لاحقٍ وردَ فيه ذكرُ الظنِّ فقال: «وقد أتينا على البيان عن وجوه الظنِّ، وأَنَّ أحدَ معانيه العلمُ اليقينُ، بِمَا يدلُّ على صحة ذلك فيما مضى، فكرهنا إعادته» (٤).

وفي المواضع التي يأتي فيها الظن بِمَعنى الشكِّ لم يورد شواهد من الشعر لأنه يرى أن شواهده من الشعر لا تُحصى، حيث يقول: «فأَمَّا الظنُّ بِمَعنى الشكِّ، فأكثرُ مِنْ أَن تُحصى شواهدُه». وقال في موضع آخر: «والظنُّ في هذا الموضع الشك» (٥).

فهو قد استشهد لمعنى الظن إذا ورد بمعنى اليقين وأحال في المواضع التالية إلى الموضع الأول الذي فسر فيه هذه اللفظة، فلما جاء


(١) انظر: ديوانه ٤٧، والأصمعيات ٢٣، والأضداد لابن الأنباري ١٤
(٢) انظر: شرح نقائض جرير والفرزدق ١/ ١١٠، والأضداد لابن الأنباري ١٤
(٣) تفسير الطبري (شاكر) ٢/ ١٧ - ١٨
(٤) المصدر السابق ٥/ ٣٥٢
(٥) المصدر السابق ٢/ ٢٦٥

<<  <   >  >>